شؤون العرب والخليج
الحزب: إلى ما بعد بعد الخوف من مناشير طلاب اللبنانية
أرشيفية
بسرعة استنفر حزب الله وتصدى لمحاولة طلاب من "شبكة مدى" توزيع مناشير على طريق المطار تطرح قضية رفع أقساط الجامعة اللبنانية ما يحرم شريحة كبيرة من الطلاب من حقها بالتعلّم.
فبينما كان الطلاب يوزعون المناشير تقدمت نحوهم دراجة نارية عرّف سائقها عن نفسه على أنه مسؤول أمني في حزب الله وقام بمنعهم مع عنصر آخر من التصوير وتوزيع المناشير. حاول الطلاب مناقشته، كما بينت تسجيلات نشرتها "مدى"، لكن الرجل رد بلهجة ميليشياوية تفرض الأوامر وترفض النقاش. ورافق العنصران الطلاب والصحافيين الذين كانوا معهم حتى تأكدوا من مغادرتهم للمنطقة.
منع الطلاب من ممارسة حقهم حصل في الوقت الذي كانت فيه رنا الساحلي، والتي منحها الحزب سلطة منح الأذونات للإعلاميين للتغطية والتصوير في الضاحية الجنوبية إضافة إلى قمع من لا يروّج لدعايته، تتظلّم وتدعي قمع حرّيتها بسبب إجراء روتيني على واتساب طال حتى صحفيين معارضين للحزب نتيجة معايير التطبيق.
وبينما سار النشاط بشكل عادي في مناطق أخرى، أخبر المسؤول الحزبي المجموعة بأن أي نشاط في الضاحية بحاجة إلى إذن حزب الله. بل وتوثق التسجيلات التي نشرتها مدى قوله إن المنطقة "مربع أمني" ويمنع حتى على سكان المبنى الملاصق التصوير تحته.
في حديث إلى "جسور" يعتبر كريم صفي الدين، وهو عضو في مدى شارك في النشاط، أن هذا الموضوع لا يرتبط بمسألة الحصول على إذن من عدمه وإنما برؤية حزب الله للمناطق التي يسيطر عليها وللبنان. "بالنسبة لحزب الله أصبح لبنان منطقة أمنية مقسمة إلى مناطق أمنية صغيرة بمواجهة بعضها وزعماء بمواجهة زعماء، بينما يرفض أن يكون هناك ناس ضمن هذه المناطق تمتلك مصالح مادية تعارض كل السياسات التي فرضت في العقود الثلاثة الماضية والسياسات المرتبطة بتحميل الفئات التي سحقت ثمن الأزمة". ويرى صفي الدين، أن الأزمة تكمن بمنع السكان من الحديث عن مصالحهم المادية وأهمية حماية التعليم المجاني في هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها لبنان.
وبالفعل، يظهر هذا التصرف رعب حزب الله وخشيته من أيّ نقاش يمسّ مصالح الناس وتحديداً فئة الطلاب التي يهدف هذا النشاط إلى التواصل معها. كما يوثق الحادث أحد أساليب سيطرة حزب الله على النقاش العام في المناطق التي يهيمن عليها ليبقى خطابه هو السائد فيها، وكيف يفرض هذا الحزب رقابته على ما يمكن أن يتلقاه سكان المنطقة وكأنهم قاصرين عن التفكير. كذلك تثبت الحادثة كيف يمنع هذا الحزب التقاء الناس للنقاش في الأماكن العامة كي يقضي على مساحات الحوار الممكنة فلا يعود من مساحات سوى تلك التي يُخضع الأفراد فيها لدعايته وللأدلجة.
في اتصال مع "جسور" يضع أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، الدكتور باسل صالح، هذا الحادث ضمن سياق ضرب الحركات المطلبية وخردقتها على مستوى التعليم الرسمي بأكمله. "فالحزب كان دائماً سدًا منيعًا أمام أي إضراب أو محاولة لرفع الصوت ومواجهة السلطة لأن الهيمنة تستدعي الإبقاء على الأمر الواقع".
وبالنسبة إليه، يضيء الحادث على كيفية تأطير الحزب لأي خبر يريد أن يوصله أو يحجبه عن المجتمع. "الأمر مرتبط بهيمنة حزب الله على النظام والدولة، فلا مصلحة له بطرح أي حركة نضالية مطلبية حقيقية تمس الناس بشكل طبقي وتضيء على الأزمات الاجتماعية لأنه يعتبر بأن النظام الحالي هو المدى الذي بإمكانه أن يهيمن فيه، بالتالي يشكّل أي خرق على مستوى أية قضية تهديداً له"، يقول صالح.
ويشير الأستاذ الجامعي إلى العلاقة بين ما حصل والهيمنة على مجالس الفروع الطلابية في الجامعة اللبنانية. إذ يهم حزب الله "مصادرة أي عمل طلابي داخل الجامعة كي يستجدي الطلاب حقوقهم من مجالس الفروع الطلابية القائمة بالتسلط ولا تملك شرعية تمثيل الطلاب". فالجامعة اللبنانية لم تشهد انتخابات طلابية منذ 15 عاماً.
وتعقيباً على الحادثة نشرت شبكة مدى اليوم بياناً اعتبرت فيه أنها تأتي في سياق انهيار غير مسبوق للتعليم العام، وحرمان الآلاف من حقهم الطبيعي بالتعليم المجاني. ورأت بأن حزب الله يظهر استعداده لعزل نفسه وقاعدته الشعبية عن سائر المجتمع اللبناني، واستخدام سلطته وقوته المسلحة لمنع تبلور الانقسام الحقيقي في المجتمع، والدفاع عن مصالح فئوية على حساب المجتمع، خاصةً في القضايا الإجتماعية والقطاعية.
واعتبرت ذلك مؤشراً على تزايد العنف وبلطجة الحزب وتسلّطه على حقوق الجميع دون استثناء. كما أكدت بأنها ستكون في الصف الأول من المواجهة دفاعًا عن حقوق الجميع دون استثناء" إذا كان الحزب مصمّمًا على تفكيك البلد وتدميره". بدوره أصدر الاتحاد الطلابي العام أمس بياناً وصف الأمر بأنه "محاولة جبانة لقمع الحريات وإسكات صوت الطلاب".
وتشكّل الجامعة اللبنانية الصرح الأكاديمي الأكبر في لبنان، ويستخدم حزب الله الكليات التي يهيمن عليها كمراكز تعبئة يفرض فيها سلطته وبمنع النشاطات التي لا تناسبه. وربما يناسب حزب الله اليوم قرار زيادة الأقساط، لعلّه يدفع بالشباب للتفرغ لديه بحثاً عن مدخول يمكنهم من متابعة تعليمهم. لكن هؤلاء قد ينالون "الشهادة" في بلد آخر دفاعاً عن ديكتاتور أو في أحد الأحياء اللبنانية دفاعاً عن يافطة أو شاحنة سلاح قبل أن ينالوا شهادتهم الجامعية.