شؤون العرب والخليج
بريغوجين وقّع قرار موته لهذه الأسباب!
"أرشيفية"
نعى بوتين بكلمات مقتضبة "ديسم الدب" الذي أنجبه وشبّعه وأرزقه وأذاقه طعم التسلط، منوها بـ "نجاحات" يفغيني بريغوجين كرجل أعمال، لكنه استدرك ـ لعدم التناقض مع نفسه بعد أن وصفه ضمنيا يوما بـ"الخائن" (ضمنيا) ـ وذكَّر بوتين بأن قائد فاغنر قد "ارتكب الأخطاء".
يعتقد البعض أنّ تسلق بريغوجين سلم الارتقاء بمحاذاة مواقع السلطة، (وإن لم يستلم يوما موقعا رسميا)، قد حصل نتيجة جهده الخاص مثلا، وقلل هؤلاء من دور بوتين في هذا الصعود وفي حاجته لتنظيم شبه عسكري ينوب عن جيشه بـ "الأعمال القذرة".
لماذا اختار بوتين بريغوجين؟
وجد بوتين في شخص بريغوجين مزايا تلتقي مع حاجاته. فأسعفه على الانتقال من "طباخ" إلى قائد ميليشيا تعمل تحت أمرة الرئيس الروسي. فعدم رغبة بوتين تحمل وزر الأعمال القذرة أمام القانون الدولي والمحاكم الدولية دفعت به إلى تضخيم حجم فاغنر ودورها، وجعلها تمتد إلى سوريا وليبيا وترتكب المجازر في أفريقيا الوسطى (مجزرة المسجد)، وتساهم في إنجاح الانقلابات العسكرية ودعم الحكم العسكري حيثما وُجد في القارة السمراء، إضافة الى تدخلها في كل من مالي وموزمبيق ومدغشقر بمواجهة النفوذ الغربي والعمل على إقصائه.
ساعدت شخصية بريغوجين رغبات بوتين. فهو صاحب شخصية انفعالية ومتوترة ومشاغبة، وعدوانية ومرتابة. وكانت سنوات سجنه التسعة بعد ادانته بالسرقة والاحتيال قد زادت من هذه ألآفات.
استغل بوتين شخصية بريغوجين الموصوفة بـ "سيئات أعمالها" للعب أدوار "قذرة" في سوريا. ومن هناك، وقبل حرب أوكرانيا ومعركتي سوليدار وباخموت، بدأت التناقضات المميتة بينه وبين قادة الجيش الروسي الرسمي.
الخلافات بين بريغوجين ووزارة الدفاع
1- في معركتي تدمر الأولى والثانية خلال 2016 و2017 كان سبب الخلاف يعود لعدم تزويد الجيش لقوات فاغنر بالسلاح الكافي ما تسبب بوقوع خسائر كبيرة بين عناصرها. حينها اشتهرت صيحة بريغوجين بالجنرال ألكسندر دفورنيكوف "أيها الوغد، أعطنا مئة قذيفة مدفعية".
2 بعدها، تعمقت الخلافات حين قامت وزارة الدفاع الروسية بتوزيع الأوسمة والنياشين لقادة عسكريين وميليشيات محلية للشجاعة التي أبدوها في تدمر متجاهلة قوات فاغنر (الطرف الفعال في المعركة). ما اعتبره بريغوجين سرقة جهود المنظمة وتضحياتها ونسبها للقادة الروس.
3- في شهر فبراير من العام 2018 تجدد الخلاف حين دفعت القيادة العسكرية الروسية بقوات فاغنر الى منطقة في شرق دير الزور بهدف السيطرة على مصفاة غاز "كونيكو" إثر وعد بالحماية الجوية الكاملة (طيران وأنظمة صواريخ) فتعرضت المجموعة لقصف جوي أباد أكثر من 200 من عناصرها (عُرفت في روسيا بـ"مذبحة فبراير الاحمر"). حصل ذلك نتيجة خلل في التنسيق بين الجيش الروسي والقوات الأميركية ونفي القيادة الروسية لتواجد فاغنر في الميدان. اعتبر بريغوجين تلك المجزرة خيانة مباشرة لقواته لا سيما بعد تصريح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتس أمام الكونغرس بأن "الروس نفوا علاقتهم بمجموعة فاغنر خلال التواصل المباشر في اللحظات الاولى لتقدم فاغنر".
4-هناك أيضا في سوريا، قبل الحرب في أوكرانيا وقبل احتلال فاغنر لمدينة روستوف الروسية ومحاولتها التقدم باتجاه موسكو أثناء تمردها، وتهديد الكتيبة الشيشانية وزعيمها رمضان قديروف بالقضاء على منظمة فاغنر، نشب خلاف في محافظة الحسكة مع الشيشان حول مطار القامشلي، فانحاز الجيش الروسي الى الشيشان وإلى جنوده من داغستان، فانفصل الطرفان وغاب التعاون والتنسيق.
5- وخلال الحرب على اوكرانيا، انعكس تعثر الجيش الروسي الميداني (خاصة بعد فشل الهجوم على كييف واستمرار معركة باخموت لمدة سبعة اشهر)، على زيادة الشرخ بين قيادة الجيش وقيادة فاغنر، سيما بعد ان تكبدت الأخيرة العديد من القتلى بمعركة سوليدار واتهام بريغوجين لقيادة الجيش بدفع قواته إلى أراض مكشوفة من دون تأمين التغطية المدفعية والصاروخية والجوية. فوصل الحد في شخصيته الهجومية المتفلتة من عقالها الى حد اتهام وزير الدفاع ورئيس الاركان بـ"الخيانة والفساد وبيع مقدرات الجيش" وطالب بإقالتهما.
بوتين.. بين بريغوجين ووزارة الدفاع
أَثـَرَ صمت بوتين على كل من قيادة الجيش وبريغوجين. فوجّه زعيم فاغنر انتقادات للكرملين لم يكن أقلها توجهه إلى الشعب الروسي معلنا أنه "قريبا سيكون لكم رئيس جمهورية جديد". ليندفع بعدها إلى احتلال مدينة روستوف متوجها بقواته صوب موسكو. وخلال هذه المواجهة أوقع خسائر بالجيش الروسي وأسقط مروحية تقل 12 طيارا وطائرتي نقل تحمل معدات وذخيرة للجيش الروسي.
وفي حين أنّ الصراع الموصوف بين بريغوجين ووزارة الدفاع الروسية كان لا يزال تحت سقف بوتين، إلا أنّ حماس زعيم فاغنر وتوقيت تحركه أضرّ ببوتين الذي يتحضر للانتخابات في ظروف لا يحسد عليها ومنها نعدد التالي:
1- بظل عقوبات القاسية وتراجع الدخل الوطني وعائدات الغاز والنفط وانخفاض مبيعات السلاح والمنتوجات والمحاصيل.
2- تعثر في أوكرانيا وعدم القدرة على الحسم العسكري، واضطراره للاستمرار في حرب استنزاف طويلة.
3- فرار الشباب من التجنيد واستنزاف الطاقات ومنها عدم القدرة على تحويل المعامل الى صناعات عسكرية تخدم أهداف الحرب.
الرئيس البيلاروسي "عجّل" بقرار تصفية بريغوجين
حاول الرئيس البيلاروسي لوكاتشينكو رأب الصدع باتفاق أخفى رياء بوتين الذي غطى قراره بتصفية بريغوجين بتحرّكين:
أولا، استقبال قيادة فاغنر وعلى رأسها بريغوجين في الكرملين بعد 5 أيام من حصول التمرد القصير.
ثانيا، ترك بوتين بريغوجين يجتمع مع رؤساء وقادة أفريقيا في قمة روسيا - أفريقيا التي انعقدت في سان بطرسبرغ ليعرض عليهم خدماته وأخذ الصور معهم والتأكيد على استمرار دور فاغنر في القارة السمراء.
غير أن بوتين تلميذ "الكا جي بي" النجيب الذي يجيد التغطية والتمويه والتعمية واستعمال أدوات وأساليب الإخفاء، كلف جهاز المخابرات F S B الوريث الفعلي لأدوات النظام السوفياتي بتنفيذ قراره الخفي المضمر لإزاحة بريغوجين وأوتكين وبعض قادة فاغنر من الطريق.
عجّل تنفيذ أمر تحييد بريغوجين وقادة فاغنر، إعلان الرئيس البيلاروسي لوكاتشينكو عن تخوفه من عدم قدرته على ضبط بريغوجين في بيلاروسيا قائلا علنا أمام أجهزة الإعلام بحضور بوتين "حتى الان استطعنا أن نمنع فاغنر من الوصول الى حدود بولونيا". مما يعني أنّ تهور بريغوجين بتوجهه إلى الحدود البولونية أو إلى ممر سوالكي قد يؤدي إلى التحرش بالناتو وتفعيل المادة الخامسة من نظام حلف شمالي الأطلسي، وهو الأمر الذي لا يرغب به بوتين حاليا.
الانتخابات الروسية واغتيال بريغوجين
قبل انتخابات الرئاسة المقبلة يحتدم الصراع في روسيا على من يحوز على أصوات ناخبي القوميين الروس. فالتيار القومي المتشدد ممتعض من مجريات الحرب في أوكرانيا ومن عدم قدرة القيادة في الكرملين ووزارة الدفاع من حسم الحرب. في حين أن بريغوجين كان قد استفزّ بوتين شخصيا عندما ردد لمرات أنه "لم يكن من داع للحرب في أوكرانيا، ولم يكن من خطر في هجوم أوكرانيا على روسيا، ولا يوجد أساس شرعية للحرب، وحلف الناتو لم يوافق على ضم أوكرانيا". ليضيف أن بوتين "وقع ضحية جنرالاته الذين فرضوا عليه الحرب لتحقيق مصالحهم الخاصة".
منذ غابر الزمان أيام إيفان الرهيب مرورا بإسقاط مروحية الجنرال ليبيد، وصولا إلى التخلص من ضباط الجيش والمعارضين والإعلاميين بالقتل أو السجن أو الإعدام أو التفجير، تعيش موسكو الصراع الدائم على السلطة. فكيف الحال اذا وقع سفاح تحت مقصلة جزار؟!ّ