مجتمع الخليج بوست
"رؤية 2030"
التعليم السعودي بين التطوير وتجاوز القوى المكبلة للتغيير
أكد وزير التعليم السعودي، حمد آل الشيخ، في تصريحاته الأخيرة أن لديه عدة ملفات مهمة، ولكنه يجب أن يعمل عليها ضمن أولويات تقدم الأهم على المهم. وتمنى لو كانت لديه عصا سحرية حتى يغيّر واقع التعليم في لمح البصر. غير أن التغيير يحتاج إلى الوقت والتخطيط، لهذا هنالك تغييرات سريعة وطارئة، وهنالك بعض التغييرات التي ستأتي لاحقا حسب أهميتها، فقد يكون التغيير بطيئا، لكنه عميق وحقيقي. وستشهد المملكة خلال فترة وجيزة مخرجات تعليمية ستغير من واقعها على المستوى العربي والعالمي، وذلك وفق “رؤية 2030” التي يضعها المسؤولون السعوديون كهدف استراتيجي في جميع حقائبهم الوزارية والرؤيوية.
وأوضح الوزير أن وزارته تحظى بدعم حكومي سخي، واهتمام استثنائي من ولاة الأمر في السعودية. وبيّن أن مشروع تطويره للتعليم يعتمد على حجم المشروع وأهدافه ومرتكزاته وأولوياته، حيث يبلغ عدد الطلاب في التعليم العام ستة ملايين طالب وطالبة، بالإضافة إلى مليون جامعي، ومئة وسبعين ألف طالب في التطوير الفني والتعليم المهني. كما أن الوزارة لديها 47 إدارة تعليم و422 مكتب تعليم، تشرف على 300 ألف مدرسة، بالإضافة إلى 27 جامعة حكومية و15 جامعة أهلية، و46 كلية أهلية، و70 كلية تقنية، و96 معهدا تقنيا، ومجموعة من معاهد التدريب الأهلية.
حقيقة التطوير
وذكر الوزير أن منظومة التعليم في السعودية فيها أكثر من مليون موظف، توزعوا بين 516 ألف معلم، و70 ألفا في هيئة التدريس الجامعي، و12 ألف مدرب، و300 ألف إداري. الأمر الذي يجعل من إدارة هذه الحشود البشرية في غاية الدقة والعناية، حيث أنها تحتاج إلى فهم عميق لواقع المجتمع واحتياجاته. وتهدف الوزارة من التطوير الأخير إلى بناء جيل سعودي بمواصفات متفردة عصرية، ذات شخصية إسلامية ووطنية، ملتفة حول القيادة ليبرز الوطن ورموزه وقيمته الإسلامية والعربية والعالمية.
يتساءل الكثيرون في السلك التعليمي حول حقيقة التطوير للمناهج التعليمية؟ وهل هو تطوير حقيقي يشمل إصلاح المنظومة من الداخل بشكل عميق، أم أنه مجرد تغيير سطحي؟ وتنطلق تساؤلاتهم من كون وزارة التعليم شهدت عدة تغييرات وزارية خلال السنوات العشر الأخيرة، لكنها بقيت في نفس المستوى التعليمي رغم ادعاءات المسؤولين بالتغيير. فلم يشهد المتابعون مخرجات حقيقية يمكن أن يعولوا عليها في قراءتهم للواقع التعليمي.
يقول طالب الدكتوراه في أصول التربية، صالح سالم القرني، “تعدّ عملية تطوير المناهج في أي دولة ضرورة يحتمها البحث عن الطرق الأفضل لإعداد المواطن الصالح الذي يتمتع بأنماط فكرية وسلوكية تؤهله لكي يكون فاعلا في حياته الخاصة والعامة وقادرا على خدمة وطنه، ويحقق ما يصبو إليه الوطن من تقدم علمي ورقيّ حضاري، حيث أن عملية تطوير المناهج ليست عملية ارتجالية، بل تحتاج إلى دراسة وتخطيط ومتابعة. وتولي السعودية ممثلة في وزارة التعليم، عملية تطوير المناهج أهمية كبيرة، فقد أجريت عمليات تعديل على المناهج منذ نشأتها حتى وقتنا الحاضر”.
من جهتها تؤكد المعلمة في المرحلة الثانوية، وداد محمد علي، أن “المناهج تتغير بشكل إيجابي، لكنه بطيء، ولا يتناسب مع إيقاع الزمن السريع، ورغم وعود الوزير آل الشيخ بالتغييرات القادمة إلا أن الميدان التعليمي لم يتغير. أنا على المستوى الشخصي متفائلة، خصوصا وأن القيادة السعودية مهتمة بشكل خاص بالتعليم وبتطويره، لهذا فالقادم سيكون أجمل وعلينا الانتظار”.
كشفت دراسة ميدانية حديثة أجرتها إدارة الدراسات والبحوث بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تحت عنوان “التعايش في المجتمع السعودي”، عن استعداد السعوديين للتعايش في ظل التنوع المذهبي، إضافة إلى قدرتهم على الانسجام في التعاملات الاقتصادية والاجتماعية. تأتي هذه الدراسة لتؤكد فشل محاولات تيار الصحوة الذي كان رموزه يغذّون المناهج التعليمية بالكراهية وتكفير الآخر وإقصائه. لهذا عملت الوزارة الجديدة على التسريع من تغيير المناهج الدراسية وغربلتها من كل خطابات الكراهية للآخر المختلف عن النسيج الاجتماعي السعودي، لتضع مناهج ذات بعد إنساني إسلامي وسطي غير متطرف لا إلى اليمين ولا إلى اليسار.
وكان وزير التعليم قد أقر بوجود مقاومة للتغيير، حيث ذكر أن هنالك مكونات اجتماعية لا ترغب في التغيير فتبدأ في مقاومته، حيث أنها تعتقد بخسرانها لمكتسباتها التي حصلتها خلال السنوات السابقة فتقاتل في سبيل عدم تغيير الواقع التعليمي القائم.
التعايش والتسامح
يقول الباحث التربوي محمد عسيري “رغم مقاومة البعض للتغيير فإن التجربة الميدانية في تطوير المناهج تؤكد على عدم تردد الطلاب في التعامل الفكري مع الآخر، من خلال اللقاءات العلمية والإنجاز العلمي المشترك، وأن المناهج التربوية تعمل على غرس روح التعايش والتسامح في الأجيال الناشئة. وهذا ما ترغب فيه الوزارة بشكل عاجل وملح، وذلك بهدف اجتثاث ما تبقى من خطاب الكراهية الذي زرعه رموز الصحوة عبر منابرنا الاجتماعية ومناهجنا الدراسية خلال عقود من التعليم”.
ويضيف عسيري “الهدف من تطوير المناهج السريع هو خلق جيل سعودي وطني متسامح، يقدّر العالم ويحتويه ويتعامل معه وفق منهج إنساني إسلامي وسطي، لا يرفض التجديد، ولا يشكل أحكاماً مسبقة، ولا يحاكم الآخرين، وإنما يتعايش معهم بتسامح عالٍ مؤسّس على تربية سليمة تحترم الإنسان بما هو إنسان، بمعزل عن عقيدته أو دينه أو عرقه أو جنسيته”.
ضمن المتغيرات السريعة التي تعيشها المملكة على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي كشف وزير التعليم السابق أحمد العيسى، خلال مشاركته في الجلسة الرئيسية من المؤتمر الدولي لتقويم التعليم المنعقد عام 2018، عن تطوير جديد لمناهج المرحلة الثانوية، حيث ذكر أن الوزارة تمتلك مقرراً جديداً للتفكير الفلسفي الناقد، بالإضافة إلى مقرر لمبادئ القانون. غير أن وزير التعليم الحالي، حمد آل الشيخ، أكد في تصريح إعلامي خلال شهر يناير الجاري أنه لن تكون هنالك مناهج مستقلة للفلسفة والقانون، ولكن ستدرجُ المبادئ الفلسفية والقانونية ضمن مناهج تعليمية أخرى، بحيث يتعلمها الطالب ويتقنها.
وفي هذا الصدد يعلّق الكاتب المهتم بالفلسفة عبدالله محمد ضياء “تصريح الوزير الأخير الخاص بعدم إفراد مناهج خاصة بالفلسفة والتفكير النقدي كان مخيباً للآمال، حيث كانت هذه الخطوة ملحة وعاجلة، ولا يمكن وضعها بصورة هامشية ضمن منهج دراسي آخر يقوم بتدريسه للطالب معلمون غير متخصصين أو غير مؤهلين لذلك”.
وتابع “هذا التطوير كان مطلباً جوهرياً منذ وقت طويل، غير أن تيار الصحوة كان السد المنيع الذي حال دون تحقيقه خلال الأربعين سنة الماضية، ما عزز غياب الحالة النقدية والتفكيكية والفنية لدى الطلاب، لهذا فوجود وتخصيص مناهج مستقلة لهذا العلم هو أمر ضروري، ويجب أن تبدأ الوزارة في تهيئة الكادر التعليمي لذلك دون تأخير”.
يأتي قرار التعاون بين وزارة التعليم وبين وزارة الثقافة فيما يخصُّ إدراج الموسيقى والفنون في المناهج، وإنشاء الأكاديميات المتخصصة، كخطوة ذات قيمة كبيرة عند المثقفين والأكاديميين. غير أن القرار رافقته حزمة من الأسئلة، مثل؛ هل يجب أن تعمل الوزارتان على ذلك بشكل سريع، أم أنه لا بد من العمل على مقدمات مرحلية للدخول في خطوة تعليم الموسيقى، لاسيما وأن المناهج الدينية ما زالت تشتمل على فتاوى تحرّم الموسيقى والاستماع إليها؟ ألن يشعر الطالب بالمفارقة؟ وهل المباني المدرسية جاهزة لذلك؟ وهل لدى التعليم كوادر مهيأة لتدريس الموسيقى والفنون؟
واعتبر البعض أن تغريدة وزير الثقافة السعودي بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، التي كتب فيها “الموسيقى والمسرح والفنون في تعليمنا، والقادم أجمل”، أحد أعمدة التحديث الثقافي الجديد في السعودية، وأنها بمثابة تدشين العودة الرسمية للفنون والثقافة والموسيقى إلى المدارس والجامعات السعودية بمختلف مراحلها.
وأكدت المستشارة الثقافية في وزارة الإعلام والكاتبة حليمة مظفر، على أهمية إدراج الموسيقى والمسرح في التعليم، واصفة الأمر بخطوة هامة سوف تساهم في اكتشاف المواهب وتطوير الذوق العام وتنمية قدرات الطلاب، مشيرة إلى أن حصص الموسيقى سوف تعمل على إحداث التوازن الوجداني والنفسي والسلوكي للطلاب. وقالت مظفر تعليقًا على تغريدة وزير الثقافة “نحن بحاجة ماسة جدّا إلى رفع الذائقة والذوق العام، فتعلم الموسيقى في المدارس يساعد على تنمية الدماغ والتطوير الذهني للطلاب، والرفع من ذائقتهم؛ فهي من أهم الأدوات والمواد التي تغذي هذه الأحاسيس الإيجابية”.ولفتت مظفر إلى أن الفنون تشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وأن الموسيقى لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، فمن الجميل أن تكون لدينا أوبرا سعودية وأوركسترا سعودية لإقامة المعزوفات التي تنهض على التراث الموسيقي السعودي.
بوابة المستقبل
ضمن خطة التطوير في التعليم للتحوّل نحو التعليم الرقمي أطلقت الوزارة برنامج “بوابة المستقبل” متخذةً من الطالب والمعلم محورا أساسيا في سعيها إلى خلق بيئة تعليمية تعتمد التقنية في إيصال المعرفة إلى الطالب، وزيادة الحصيلة العلمية له، وتدعم تطوير قدرات المعلمين العلمية والتربوية.
وتهدف البوابة إلى التحول إلى بيئة تعليمية إلكترونية والتخلص من أعباء البيئة الورقية التقليدية، وتغيير النمط التقليدي للتعليم، وتوسيع عمليات التعليم والتعلم إلى خارج نطاق الفصل الدراسي والبيئة المدرسية، وإيجاد بيئة تعليمية ممتعة بالتفاعل الإيجابي بين الطلاب والمعلمين. بالإضافة إلى تمكين الطالب من المهارات الشخصية التي تجعله أكثر جاهزية للدراسة الجامعية وسوق العمل، والاستفادة من إقبال الطلاب على التقنيات الحديثة وتوجيههم للاستخدام الإيجابي لمنتجات التقنية.
وقد بدأ تطبيق البوابة بشكل تدريجي وذلك لتمكين جميع المستفيدين من استعمالها، حيث بدأت المرحلة الأولى في 2017 – 2018 مستهدفة 310 مدارس في سبع مناطق سعودية، بينما طُبقت في المرحلة الثانية 2018 – 2019 في 1893 مدرسة في 16 منطقة، وستطبق هذا العام في جميع مدارس المملكة فاتحة أمامها أفقَ التكنولوجيا الحديثة واستثمارها في التعليم..
وعن ذلك تقول الكاتبة مها الشريف “في حاضرنا توجد طرق أكثر أهمية من مراحل سابقة غير مستساغة لا تتوافق مع روح العصر الحديث، وفي هذه الحالة لا بد من تطوير أداء المؤسسات التعليمية وتقديم المعارف بغير الطرق التقليدية التي تعتمد على الحفظ والتلقين، بطرق تخدم الأداء العملي”.