شؤون العرب والخليج
تهريب السجناء يدفع إلى التعجيل بمراجعة التعيينات في تونس
ضاعفت عملية تهريب عدد من الإرهابيين من سجن المرناقية، شمال غرب تونس، من أهمية التعجيل بمراجعة التعيينات في الإدارة التونسية مثلما يطالب بذلك الرئيس قيس سعيد باستمرار.
وتعطي عملية تهريب عناصر خطرة، ومرتبطة بقضية الاغتيالات التي حدثت في 2013، مشروعية كبيرة لمطلب الرئيس بتطهير الإدارة، وتفكيك منظومة التمكين الحزبي التي تم من خلالها اختراق الإدارة على نطاق واسع، والتي مهدت لاختراقات أمنية كان من نتائجها قدرة أخطر سجناء الإرهاب على الهروب.
وستكون للرئيس سعيد الآن يد مطلقة للربط بين الاختراقات الأمنية والتمكين عبر التعيينات والضغط على ميزانية الدولة، وهو ما يعني أن تطهير الإدارة من التعيينات التي تمت خلال العشرية الماضية ليس فقط لتخفيف العبء المالي عن ميزانية الدولة التي تم استنزافها، ولا بتفكيك خطط عرقلة الأعمال والتشهير بسياسات الحكومة، ولكن بتأمين البلاد وحماية مؤسساتها السيادية من تأثيرات الاختراق وارتباطاته الخارجية.
وتطرّق الرئيس سعيد في لقائه مع رئيس الحكومة أحمد الحشاني الثلاثاء “إلى ضرورة الإسراع في عملية التدقيق في الانتدابات التي حصلت داخل كل أجهزة الدولة التي هي فضلا عن أنها إهدار للمال العام فإنها صارت تمس من أمن الدولة”.
وشدد في بيان نشرته رئاسة الجمهورية على صفحتها الرسمية بفيسبوك على أن “عملية تهريب عدد من المساجين يدل على مدى خطورة هذه الانتدابات، فضلا عن ارتباط عدد من الجهات بدوائر خارجية التي لا هدف لها سوى استهداف الدولة والسلم الأهلي داخلها، لأن هذه الدوائر لا تقبل بأيّ نظام وطني بل تريد فقط ديمقراطية شكلية وهمية يكون الحكم فيها للوبيات والعملاء”.
كما اعتبر سعيّد أن فرار خمسة إرهابيين من أحد السجون هو عملية تهريب وليس فرارا ولمّح إلى وجود علاقة بين الأطراف التي هرّبتهم وحركات صهيونية.
وقال الرئيس التونسي إثر اجتماعه بوزير الداخلية كمال الفقي إن “عملية التهريب التي تمت الثلاثاء ليست فرارا، كل القرائن والدلائل تشير إلى أن العملية تم التدبير لها منذ أشهر طويلة”.
وعلى امتداد العشرية الماضية خضعت التعيينات في أجهزة الدولة لخطط التمكين الحزبي، ما سهّل تواجد متطرفين وأصحاب سوابق في الأجهزة الأمنية الحساسة وهو ما حذرت منه العديد من النقابات الأمنية.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني أن “هناك وعيا جماعيا بأن التعيينات بعد 2011 تمت على أساس الولاءات الحزبية، وهذا ما يستدعي ضرورة المراجعة، لأننا وصلنا اليوم إلى تواطؤ يرتقي إلى درجة الخيانة”.
وقال الشيباني لـ”العرب” إن “إرادة الرئيس سعيد لتطهير الإدارة كانت واضحة، وهناك شهائد علمية مدلّسة، كما أن عملية تهريب الإرهابيين هي قضية تمس بالأمن القومي”، مضيفا “يجب القيام بمراجعة التعيينات ووضع أشخاص وطنيين، فضلا عن تخصيص جهاز مخابرات متطور يشرف عليه رئيس مجلس الأمن القومي (رئيس الجمهورية) للقطع مع تراكمات العشرية السوداء”.
وتابع الشيباني “لا بدّ من التدقيق في ملفات من تمت إعادتهم إلى العمل مع جملة من الامتيازات والترقيات، فضلا عن مراجعة ومحاسبة منظومة كاملة”، موضحا “هناك أطراف تعطل عملية التدقيق لأنها مستفيدة من هذا الوضع”.
وأردف “من تمسكوا بالحكم بعد 2011 وظّفوا الدولة لخدمة أتباعهم، ويجب القيام بالتدقيق في كل مقر يحمل راية تونس، لأن المعارضة الحقيقية للدولة من داخل الإدارة التونسية”.
وواجهت البلاد بعد 2011 موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط من أجل توفير الوظائف، كما صدر مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه انتداب حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية، من دون مناظرات رسمية.
وأثار تزوير الشهائد العلمية والتعيينات المشبوهة في عدد من القطاعات، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، جدلا واسعا في الفترة الأخيرة.
وفي وقت سابق، أحالت وزارة الشؤون الاجتماعية أكثر من 200 ملف على القطب القضائي المالي بخصوص تزوير شهائد علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.
وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي “نحن نعرف أنها تعيينات تمت لاختراق الإدارة وتسببت في تدهور الأوضاع، ونحن نعيش ما جنته علينا العشرية السوداء التي أغرقت الإدارة بالتعيينات بالولاءات والشهائد المزورة”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الدولة العميقة اليوم ليس من مصلحتها القيام بالتدقيق في التعيينات، لكن الرئيس سعيد أعطى تعليمات صارمة للقيام بذلك، وهناك بعض المراجعات تمت في عدد من الوزارات ولم تظهر نتائجها للعلن”.
وأشار الرابحي إلى أن “الخطير في الأمر هو الاختراق، وهذا ما يستوجب وضع مسؤولين أكفاء في الأماكن المناسبة”.
وعلى الرغم من أن الإجراءات الأمنية والقانونية مشددة في ما يتعلق بقواعد التعيين بالنسبة إلى المؤسسة الأمنية والسجنية والدفاع من ذلك البحث في سيرة المنتدب خاصة في ما يتعلق بالشكوك حول خلفيته الفكرية وإمكانية تطرفه، لكن القواعد تم تجاوزها مع سيطرة قوى سياسية على وزارة الداخلية بعد الثورة.
كما مثّل حل جهاز أمن الدولة عوض إصلاحه أحد الأخطاء التي تم ارتكابها بعد ثورة يناير 2011 لدور الجهاز في حماية الأمن الوطني ومراقبة المتورطين في الإرهاب.