شؤون العرب والخليج
نبيل عمار يتهم الأوروبيين بإفراغ اتفاق الشراكة مع تونس من محتواه
حمّل وزير الخارجية التونسي نبيل عمار الاتحاد الأوروبي مسؤولية إفراغ اتفاق الشراكة الشاملة الذي تم إبرامه بين الطرفين في يوليو من محتواه، متسائلا عن سبب إفراغ الاتفاق من مختلف عناصره والاكتفاء فقط بعنصر مواجهة الهجرة غير النظامية.
وقال عمّار في مقابلة مع التلفزيون الرسمي التونسي إن الاتحاد الأوروبي لم يف ببنود الاتفاق الذي تم توقيعه.
وأوضح أن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين تونس والتكتل تتضمن 5 بنود أساسية، مضيفا أن بلاده ترفض التركيز على البند المتعلق بكبح تدفق المهاجرين من سواحلها باتجاه أوروبا مقابل تهميش المحاور الأخرى.
وتابع أن “تونس تحرص على أن تكون شراكتها مع الاتحاد الأوروبي قائمة على مبدأ التعامل الندّ للند”، مستدركا “وهو ما فهمه الأوروبيون”، لافتا إلى أن “الاحترام هو أولى قواعد المعاملات بين الدول”.
ويرى مراقبون أن وزير الخارجية التونسي عمل على توضيح نقطة الخلاف الرئيسية بين الطرفين بشأن الاتفاق. تريد تونس تنفيذا كاملا لعناصر الاتفاق الخمسة، وهي عناصر شاملة لأغلب المجالات الاقتصادية، فيما يريد الاتحاد الأوروبي الاكتفاء بالعنصر الأخير، وهو قيام تونس بدور كبير من أجل مواجهة تدفقات المهاجرين من دون توضيح لتفاصيل الدعم الذي سيقدمه الأوروبيون، ما أظهر الاتفاق وكأنه غطاء لدفع تونس للعب دور شرطي المتوسط، وهو ما ترفضه تونس.
وتحدث عمار عن مساع أوروبية لتحويل تونس إلى شرطي حدود وهو ما رفضه الرئيس التونسي قيس سعيد منذ انطلاق المفاوضات بين بلاده والتكتل والتي توجت بتوقيع الاتفاقية.
وكان قيس سعيد واضحا في موقفه بعد توقيع الاتفاقية، إذ شدد على ضرورة تنفيذ كامل مضامين الاتفاق بين الجانبين، قائلا “نحن عازمون على تجسيد ما في المذكرة في أقرب الآجال”.
ولطالما أكد الرئيس التونسي، الذي يرفض تحويل بلاده إلى محتشد للمهاجرين، أن الحلول الأمنية تظل عاجزة عن معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، مشددا على أن “الحل لا يمكن إلا أن يكون جماعيا من خلال القضاء على الأسباب الرئيسية التي تدفع المهاجرين إلى ترك أوطانهم والتدفق باتجاه سواحل أوروبا”.
ووفق نص الاتفاق، فإن الاتحاد الأوروبي سيساعد تونس في جهودها من أجل رفع النمو الاقتصادي، عبر صياغة سياسات ملائمة تضعها تونس، وتشمل الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
وتطرق الاتفاق إلى مجال الاقتصاد والتجارة، بالتأكيد على دعم التعاون الاقتصادي والتجاري، بتطوير المبادلات التجارية للسلع والخدمات وبناء مناخ أعمال ملائم ومحفز للاستثمار.
وشدد الاتفاق على خلق فرص الاستثمار العمومي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، خاصة في إطار الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة، في مجالات التنمية والتنافسية والقطاع الخاص.
وتم في الاتفاق التركيز أيضا على المزيد من التعاون في المجال الزراعي وضمان الأمن الغذائي لاسيما الحبوب، والمزيد من التعاون في المجال الرقمي، من خلال الاستفادة من كل فرص التعاون، على غرار تعزيز القدرات والتعاون التكنولوجي وتمويل المشاريع المشتركة، بما يتيح لتونس عبر مشروع الكابل الرقمي البحري “ماد إيزا” الاستفادة من الربط عالي التدفق.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة بأن “تصريح وزير الخارجية نبيل عمار هو موقف سيادي ومنسجم مع توجهات الرئيس قيس سعيد ويوحد الدبلوماسية التونسية، ومفاده أيضا أن تونس أوفت بكل تعهداتها عبر تقديم تنازلات وذهبت أكثر ما يمكن في تنفيذ ذلك، لكن هناك تقصيرا أوروبيا”.
وأضاف لـ”العرب” أن “هناك تحاملا على تونس في بعض التصريحات الأوروبية، وهذا مستفزّ ومرفوض”، مشيرا إلى أن “رغم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية فإن تونس باتت من الواضح أنها تتعرض لابتزاز وقدمت تنازلات في مشاريعها المالية”.
واعتبر مراد علالة أن “هذا الموقف دعوة صريحة إلى الكف عن ابتزاز الدولة التونسية وأن يراعي الاتحاد الأوروبي أوضاعها ويحترم خياراتها بطريقة تدريجية حتى لا تتعسف على شعبها وألا تكون كلفة الإصلاحات باهظة”.
واحتجت تونس ضد البطء في الإيفاء بالتعهدات المالية، وحذر عمار مما سماه “ممارسة التمويه والتضليل” من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهي نقطة الخلاف الثانية.
ورفض الرئيس التونسي مساعدات من الاتحاد الأوروبي بقيمة 60 مليون يورو (63 مليون دولار)، ووصف المبلغ بأنه زهيد، مشددا على أن “تونس، التي تقبل بالتعاون، لا تقبل بما يشبه المنة أو الصدقة، فبلادنا وشعبنا لا يريدان التعاطف، بل لا يقبلان به إذا كان دون احترام”.
وجاء رفض العرض المالي بعد حملة أوروبية مزدوجة على تونس بشأن ملف المهاجرين غير النظاميين، وجمعت بين اتهامات دبلوماسية بالتقصير في التصدي لمهربي البشر، وأخرى حقوقية تتهمها باستهداف المهاجرين والدفع بهم إلى الحدود مع ليبيا والجزائر في ظروف صعبة، معتمدة تقارير غير موضوعية لإدانة الموقف الرسمي التونسي.
وفي تصريحات سابقة قال نبيل عمار “ردَدْنا إليهم أموالهم وقلنا لهم حذار من مواصلة التمويه ونشر الوثائق المسربة فإننا إذا عدتم عدنا لكم بكشف المزيد من الحقائق التي ليست في مصلحتكم”.
ووقّعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي في منتصف يوليو الماضي تشمل تمويلات بأكثر من مليار يورو على المدى الطويل لمكافحة موجات الهجرة غير النظامية وإنعاش الاقتصاد ودفع عملية التنمية، من بينها 150 مليون يورو لدعم موازنة الدولة و100 مليون يورو لخفر السواحل.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تمويل طارئ بقيمة 127 مليون يورو موجهة إلى تونس ضمن خطة أوسع لمجابهة الوضع في لامبيدوزا الإيطالية بسبب تدفقات المهاجرين.
وكان من المقرر أن يزور وفد من المفوضية الأوروبية تونس لمناقشة بنود المذكرة، لكن الرئيس سعيد طلب من وزارة الخارجية إبلاغ الجانب الأوروبي بتأجيل الزيارة، وهو ما يؤشر على برود العلاقة بين الطرفين.
وطالب وزير الداخلية التونسي كمال الفقي الاتحاد الأوروبي نهاية سبتمبر الماضي بضرورة تفعيل مذكرة التفاهم بين بلاده والتكتل، نافيا وجود عراقيل تمنع تقديم المساعدة المالية والاقتصادية.
وتقود جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، جهودا بهدف حثّ الاتحاد الأوروبي على تنفيذ اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين تونس والتكتل، لافتة إلى أن التقارير تشير إلى انخفاض في عدد المهاجرين المنطلقين من سواحل البلاد خلال شهر سبتمبر الماضي.
وتعلن تونس بوتيرة أسبوعية إحباط محاولات هجرة إلى سواحل أوروبا وضبط المئات من المهاجرين يتحدر غالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء ويستخدم هؤلاء الممر البحري من الشواطئ التونسية نحو القارة، مستغلين قرب المسافة التي لا تتجاوز في بعض النقاط 150 كلم بين تونس وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية.