شؤون العرب والخليج
التركيز على المستشفيات يثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل
معارك عنيفة في محيط مستشفيات غزة
تدور معارك كثيفة بين إسرائيل وحماس في شمال قطاع غزة ما يزيد من صعوبة وضع المستشفيات الفلسطينية التي ينقصها الوقود بحسب مدرائها والتي لجأ إليها المدنيون هربا من القصف المتواصل.
وفي اليوم السادس والثلاثين للحرب التي شنّتها إسرائيل ردا على هجوم حماس في 7 أكتوبر، بات 20 من مستشفيات قطاع غزة الـ36 "خارج الخدمة" بحسب مكتب الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة. وعلى الصعيد الدولي تتكثف الدعوات لإسرائيل لحماية المدنيين. والسبت وقعت انفجارات وتبادل كثيف لإطلاق النار في مدينة غزة في شمال القطاع.
وبعد خمسة أسابيع على بدء الحرب، أعلنت إسرائيل الجمعة خفض حصيلة ضحايا الهجوم الذي شنّته حماس على أراضيها في 7 أكتوبر، من 1400 إلى 1200 قتيل، وأوضحت أنّ "هذه الحصيلة ليست نهائيّة".
وكانت السلطات أكّدت أنّ غالبيّة القتلى مدنيّون وسقط معظمهم في اليوم الأوّل للهجوم غير المسبوق. كما احتجز مقاتلو حماس ما يقارب 240 شخصًا رهائن ونقلوهم إلى غزّة. في الجانب الفلسطيني، قُتل أكثر من 11078 شخصًا بينهم أكثر من 4506 من الأطفال في القصف الإسرائيلي على غزّة، حسب وزارة الصحّة التابعة لحماس.
ويخضع قطاع غزة منذ 9 أكتوبر لحصار كامل ولا تسمح إسرائيل بدخول الوقود. وفي مستشفى الشفاء بمدينة غزة يواجه 39 طفلا من الخدج خطر الموت “في أيّ لحظة” كما حذرت السبت وزارة الصحة التابعة لحماس. وقالت الوزارة “أحدهم توفي هذا الصباح” مؤكدة أن الحاضنات لن تتمكن من العمل بمخزون الوقود المتوافر.
في الإطار نفسه أعلنت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية غير الحكومية عن وفاة رضيعين من الخدج في مستشفى الشفاء نقلا عن تقارير تلقتها. وفي المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة، يقول المريض يوسف النجار وهو ممدد على سرير، إنه ينتظر إجراء عملية جراحية. ويضيف "الآلات معطلة كما ترون ليست هناك كهرباء. أشعر بالعطش الشديد، لكن لا يسمح لي بالشرب أو الأكل طالما لم تنته العملية".
وتعرض مستشفى الشفاء في مدينة غزة لإطلاق نار، بحسب مديره محمد أبوسلمية الذي قال “طوال الليل تعرض مستشفى الشفاء ومستشفيات غزة لقصف مدفعي كثيف وقطعت الكهرباء لأربع ساعات في الشفاء بسبب استهداف مولد الكهرباء". وقالت حماس إن "شخصا قتل وأصيب عدة آخرون في ضربات على مبنى العناية المركزة في مستشفى الشفاء” صباح السبت.
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على ذلك، لكّنه أكّد الجمعة “إذا رأينا إرهابيّي حماس يطلقون النار من المستشفيات فسنفعل ما يتعيّن علينا فعله. إذا رأينا إرهابيي حماس سنقتلهم". وأعلن مساء الجمعة القضاء على "حوالي 150 إرهابيا".
وعبّر المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر روبرت مارديني باسم اللجنة عن "صدمته للصور والمعلومات الآتية من مستشفى الشفاء". وناشد مدير مستشفى الشفاء "المجتمع الدولي الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف". وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "مسؤولية أيّ ضرر يلحق بالمدنيين تقع على حماس" التي تستخدم المدنيين "دروعا بشرية".
وتكرر السلطات الإسرائيلية أن حماس تستخدم المستشفيات لشن هجمات أو الاختباء في أنفاق وهو ما تنفيه الحركة الفلسطينية. وقال نتنياهو “يجب أن نتذكر أن إسرائيل دخلت هذه الحرب بسبب عمليات القتل الوحشية لمئات الإسرائيليين على يد هذه المنظمة الإرهابية التي تحتجز أكثر من 200 إسرائيلي رهائن”، في أسوأ هجوم في تاريخ إسرائيل التي قامت عام 1948.
وقد رفضت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة المطالب بوقف إطلاق النار. وحضّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع “بي بي سي” بثت مساء الجمعة إسرائيل على وقف القصف في غزة.
وقال “نشاطر (إسرائيل) ألمها ونشاركها رغبتها في التخلص من الإرهاب” لكن “في الواقع اليوم ثمة مدنيون يُقصفون. هؤلاء الأطفال هؤلاء النساء هؤلاء الكبار في السن يتعرضون للقصف والقتل” مؤكدا “لا يوجد أيّ مبرر ولا أيّ شرعية لذلك. لهذا نحض إسرائيل على التوقف".
ويخوض الجيش الإسرائيلي معارك شرسة مع مقاتلي حماس في قلب مدينة غزة حيث تقع على قوله “القيادة العسكرية” للحركة المتحصنة في شبكة أنفاق. وفي صور غير مؤرخة نشرها، يظهر الجنود وهم يسيرون على الرمال حاملين أسلحتهم في منطقة مقفرة. وهرعت أعداد متزايدة من العائلات للخروج من مدينة غزة هربا من الموت والجوع، مع تصاعد حدة المعارك.
ولطالما كان الكورنيش المكان المفضل للعائلات الراغبة في التنزه وتمضية أوقات ممتعة وللعدائين الراغبين في الحفاظ على لياقتهم. وازدهرت المطاعم والمقاهي، كما قامت مدارس الأمم المتحدة بتنظيم فترتين دراسيتين أو ثلاث يومياً لاستيعاب جميع الطلاب، ما كان يتسبب في اختناقات مرورية بسبب تدافع السيارات والعربات التي تجرها الخيول عند انتهاء كل فصل.
والآن، بعد خمسة أسابيع من القتال العنيف غير المسبوق في القطاع، رغم تعرضه لأربع حروب بين عامي 2008 و2021، تضرر ودُمر ما يقرب من نصف المنازل وفقًا للأمم المتحدة، وقتل الآلاف، بعضهم في ضربات استهدفت مدارس تابعة للأمم المتحدة أو مستشفيات حيث كانوا يعتقدون أنهم في مأمن.
ومنذ 7 أكتوبر، أبلغت وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس عن مقتل أكثر من 11 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 27 ألفا آخرين. والآن، يسلك الآلاف من جديد الطريق نحو الجنوب سيرًا.
ووافق جواد هارودة، وهو فنان فلسطيني، أخيراً على مغادرة مخيم الشاطئ الواقع على الساحل الشمالي، بعد أن اقترب القصف منه مساء الخميس. وقال لوكالة فرانس برس "إنها مأساة.. الليلة الماضية، لم أكن أظن أني سأتمكن وأولادي من الخروج سالمين، نظرا لكثافة القصف وما رأيناه من إطلاق نار".
كما نزح منير الراعي من مخيم الشاطئ الذي لجأ إليه والداه بعد “النكبة” التي تلت قيام دولة إسرائيل في 1948، ودفعت أكثر من 760 ألف فلسطيني إلى الفرار أو طردوا من أراضيهم، بحسب الأمم المتحدة. وقال الراعي إن الجيش الإسرائيلي شن غارات “عشوائية” في مخيم الشاطئ. وأضاف بينما كان يحمل طفله على كتفيه أن “المنازل تقع على رؤوس ساكنيها، أطفال ونساء لم يبق منهم أحد (باتوا) أشلاء".
وبعيداً عن أزيز الرصاص والغارات الجوية المتواصلة، دفع النقص في المواد الغذائية الكثيرين إلى المغادرة. وقبل أن يواصل طريقه مع مجموعات من العائلات المنهكة، قال محمد الطالباني، وهو نازح من مدينة غزة يحمل طفلته بين ذراعيه وحقيبة على ظهره “لا يوجد طعام أو شراب، نذهب إلى المتاجر لشراء حفاظات أو حليب أو غير ذلك للطفلة فلا نجد، وحتى الأطعمة المعلبة غير متوفرة على الإطلاق".
وأعلن مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الخميس توقف عمل المخابز في شمال قطاع غزة. وتم إغلاق أكبرها في مدينة غزة الثلاثاء عندما أدى القصف الإسرائيلي إلى تحطم الألواح الشمسية التي تزودها بالكهرباء. وبعد ذلك هرع السكان الجياع إلى مخازن الطحين، لأن سكان غزة، وفقًا للأمم المتحدة، لم يعد لديهم ما يقتاتون به سوى البصل النّيء.