تقارير وتحليلات
جنوب اليمن..
كيوبوست: اكتشاف أدوات حجرية عمرها 8000 عام في حضرموت
أنواع مختلفة من الأطراف الحجرية المدببة المخددة المكتشفة في اليمن
أظهرت دراسة أثرية حديثة اكتشاف قِطع حجرية لأطراف مُدبَّبة مُخدَّدة يعود تاريخها إلى نحو 8000 عام في حضرموت، جنوب اليمن. يتعرف علماء الآثار على هذا النوع من الأدوات الحجرية منذ نحو مئة عام في الأمريكتَين؛ حيث كانت تُستخدم من قِبل السكان الأصليين منذ أكثر من 13000 سنة كأطراف مُدبَّبة للأسهم والرماح، وقد أثار العثور على هذه التقنية في الجزيرة العربية دهشة العلماء.
وحسب الدراسة التي نُشرت هذا الشهر بصحيفة “PLOS One“، فإن اكتشاف هذه القطع الأثرية تم في عام 2004 في وادي صناء بحضرموت؛ لكن أول ذكر لهذا النوع من الأحجار في البلاد يعود إلى الستينيات من القرن الماضي، حين تم اكتشافها في منطقة “حبروت” في محافظة المهرة اليمنية المحاذية لحضرموت من الجهة الشرقية وحدود عمان من الجهة الغربية، وقد أشارت الدراسة أيضاً إلى اكتشافات مماثلة في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة.
وفي حديث مع وكالة “يو بي آي” الإخبارية الأمريكية (UPI)، قال الباحث الرئيسي في الدراسة ريمي كراسارد، رئيس قسم علم الآثار في المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية: “لقد أدركنا أن هذه التقنية ربما تكون أشهر تقنيات ما قبل التاريخ المستخدمة في القارة الأمريكية”، مضيفاً: “لقد استغرقنا القليل من الوقت للتعرُّف عليها؛ لكن الأمر استغرق منَّا المزيد من الوقت لفهم سبب وجودها في الجزيرة العربية”.
تاريخ ضارب في القِدم
يعود أقدم ذكر لحضرموت إلى عهد قوم عاد المذكورة قصتهم في القرآن الكريم؛ حيث أشار عددٌ من المفسرين إلى أن منطقة الأحقاف المذكورة في قصة قوم عاد تقع بين عمان والمهرة أو ما بين عمان وحضرموت. وإلى اليوم، يوجد في حضرموت مزار شهير يُعرف بقبر نبي الله هود؛ وهو النبي المرسل إلى قوم عاد، يقصده الناس من حضرموت ودول أخرى في شهر شعبان من كل عام.
ولعل مدينة إرم ذات العماد، التي لم يُخلق مثلها في البلاد، حسب وصف القرآن، هي من أعجب ما ذُكر حول قوم عاد، وتثير حكاية هذه المدينة فضول الكثير من الرحالة والمستكشفين الذين يسعون لاكتشافها. ومن أشهر الرحلات الاستكشافية لإرم ذات العماد، والمعروفة أيضاً بأطلنتس الرمال، هي الرحلة التي تمت في عام 1992 في ظفار بعمان، والتي أسفرت عن اكتشاف مدينة “وبار” أو “عبار” التي يُعتقد أنها ربما تكون إرم ذات العماد.
وحسب صحيفة “النيويورك تايمز” التي تحدثت عن الرحلة، فقد تم اكتشاف أنقاض ثمانية أبراج وجدران مجاورة وبقايا فخار يعود تاريخها إلى أكثر من 4000 عام. وعلى الرغم من أن هناك مَن يعتقد أن “وبار” ليست بالضرورة أن تكون هي ذاتها “إرم ذات العماد”؛ فإن الاكتشاف يبقى مهماً، حيث اكتشف العلماء، إلى جانب الأطلال، طرق قوافل قديمة يُعتقد أنها أحد المسارات المهمة لتجارة اللبان التي اشتهر بها جنوب الجزيرة العربية.
العلاقة التاريخية بين حضرموت وعمان
تعود جذور العلاقة المعروفة بين حضرموت وعمان إلى ما قبل الميلاد؛ حيث كانت ظفار، في سلطنة عمان اليوم، جزءاً من مملكة حضرموت التي نشأت في نحو سنة 1020 قبل الميلاد، وقد شملت تلك المملكة -إضافة إلى ظفار وحضرموت- كلاً من المهرة وشبوة وجزيرة سقطرى جنوب اليمن.
كان اللبان والمُر هما العامل الأساس في ازدهار مملكة حضرموت القديمة، وكانت ظفار إحدى أهم المناطق لزراعة أشجار اللبان. ويعتبر “خور روي” في ظفار أحد الشواهد الأثرية المهمة على ارتباط حضرموت بالمنطقة؛ حيث تم تأسيس “خور روي” في القرن الرابع أو الخامس قبل الميلاد من قِبل أحد ملوك حضرموت كمحطة توقُّف في طريق تجارة اللبان، وهي تعتبر المركز الاستيطاني الشرقي لمملكة حضرموت القديمة، حسب بعض الباحثين.
كانت مملكة حضرموت الشاسعة في جنوب الجزيرة العربية تعمل كهمزة وصل بين شرق العالم وغربه؛ حيث كانت سفن تجار حضرموت تجلب من أرض الهند وسيلان والقرن الإفريقي البخور والتوابل والذهب والحرير واللؤلؤ والعاج.. وغيرها من البضائع النفيسة، ثم يُضاف إليها اللبان والمُر المستخرج من ظفار والمهرة وسقطرى؛ ليُصدَّر كل ذلك من جديد إلى العراق وفارس وفلسطين ومصر وأوروبا.
عُرف ملوك حضرموت في تلك الحقبة بملوك بلاد اللبان، وعدَّ البعضُ شعبَ حضرموت أثرى شعوب العالم في تلك الفترة، حتى أُطلق على بلاد جنوب شبه الجزيرة العربية لقب العربية السعيدة. وحول ذلك الازدهار يقول الباحث الأمريكي ويندل فيليبس، في كتابه (كنوز مدينة بلقيس): “طوال ألف سنة، وربما أكثر من ذلك بكثير، ظل جنوب شبه الجزيرة العربية مزدهراً فوق ما يتصور العقل”.
تقارب ثقافي
لقد أثبت علماء الآثار أن تقنية الأطراف الحجرية المُدبَّبة المُخدَّدة هي تقنية خاصة بالثقافات الأمريكية في العصر الجليدي أو العصر البليستوسيني، وقد أثار العثور على هذا النوع من الأدوات في اليمن وعمان والإمارات دهشة العلماء؛ خصوصاً أنها تعود إلى فترة العصر الحجري الذي استمر بين 9000- 4500 قبل الميلاد.
وحسب الدراسة التي نُشرت حديثاً، فإن هناك تقارباً وتبايناً بين القطع المكتشفة في الأمريكتَين وفي جنوب الجزيرة العربية، كما يبدو أن الغرض من استخدام هذه الأدوات في الجزيرة العربية كان مختلفاً عن غرض الاستخدام في الأمريكتَين. ويعتقد ريمي كراسارد أن غرض الاستخدام العربي كان “التفاخر واستعراض المهارات”.
ويقود الفارقُ الزمني الطويل بين تاريخ النموذجين العربي والأمريكي العلماءَ إلى القول إن ذلك يدل على التقارب الثقافي، وليس بالضرورة على التبادل الثقافي بين تلك الشعوب. ومن جانبٍ آخر، يدل تاريخ القِطع الحجرية، الذي يعود إلى ثمانية آلاف عام، على استقرار الإنسان في حضرموت منذ ما قبل قيام مملكة حضرموت الشهيرة.