شؤون العرب والخليج
رهانات سياسية مغلفة بطابع ديني خيري
السودان أمام تحدي إيقاف الدعم التركي - القطري لفلول البشير
تشكل الجمعيات الخيرية القطرية في السودان أحد أوجه الدعم المقدم لفلول نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، في ظل حرية الحركة التي تمتعت بها في العديد من المحافظات السودانية، بعد أن حلت بديلة للمنظمات الإنسانية الدولية التي تعرضت للطرد والإقصاء منذ فترة، كرد فعل على قرار المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة البشير.
وتعمل السلطة الانتقالية السودانية حاليا على تصحيح الأوضاع بما يسمح بعدم احتكار كل من قطر وتركيا للدور الإنساني في البلاد، بحيث يصبح وجود منظمات دولية مقوضا لدور الجمعيات التابعة لهما، والأهم أنه يفتح الباب لمزيد من التطبيع في علاقات الخرطوم بالمجتمع الدولي.
ودعا السودان قبل أيام، المنظمات الإنسانية الدولية “المطرودة” من البلاد للعودة إلى استئناف أعمالها دون قيود في جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركات المسلحة.
وبدت الخطوة غير بعيدة عن تنامي التلميحات لما تقوم به الجمعيات القطرية، والرغبة في عدم الصمت وفضح الدور التخريبي الذي قامت به من قبل، والذي يعطل الكثير من التحركات الرامية لبتر الأذرع الخفية التي تعتمد عليها القوى التابعة للنظام البائد.
الجمعيات القطرية في السودان تراهن على الدعم المالي المغلف بطابع ديني يستهدف أساسا دعم نشاطات الحركة الإسلامية.
وتعمل في السودان 21 منظمة إنسانية تابعة للأمم المتحدة، بجانب 104 منظمات أخرى محلية وقطرية وتركية، وحافظت الأخيرة على صلات مباشرة بنظام البشير الذي قام بتطويعها لاختراق معسكرات اللاجئين وتصنيفها تحت مسمى “المنظمات الوطنية”.
وأشارت مصادر حقوقية سودانية، إلى أن قطر قدمت نحو 170 مليون دولار مؤخرا، في صورة دعم للأنشطة الإنسانية بإقليم دارفور، وهو اعتراف بالمكاسب الكبيرة التي حققتها في السودان، خاصة خلال السنوات الخمس التي سبقت سقوط البشير، وحصلت بموجبها على تسهيلات في صورة إعفاءات جمركية على السيارات والأجهزة والمعدات المستخدمة في أغراض الإغاثة، وتريد أن تواصل هذا الدور مع السلطة الانتقالية.
وأضافت المصادر ذاتها، في تصريحات لـ”العرب”، أن قطر حرصت على تقديم نفسها كطرف محايد يدعم تطلعات الشعب السوداني منذ سقوط البشير، وروجت لأنشطتها الإنسانية بشكل مكثف، وقدمت مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية المختلفة عبر جمعيات أهلية تابعة لها وتدير معظمها كوادر تنتمي للحركة الإسلامية للتقرب من المواطنين، بهدف تنفيذ خطة محكمة لاستقطابهم ضد الحكومة.
ويعدّ العمل الإنساني القطري في مناطق دارفور تحديدا من الأدوات المهمة لتسهيل توغّل قطر سياسياً في تلك المنطقة، وشكل مقدمة لدخولها كطرف يرعى السلام في الإقليم والذي لم يتحقق حتى الآن، وتوطيد العلاقات مع البشير الذي ارتكن إليها في مسألة التشويش على الجرائم الإنسانية التي ارتكبها وكانت سبباً في قرار المحكمة الجنائية الدولية بطلب محاكمته.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي)، سليمان سري، إن الجمعيات القطرية كثيرة ومتشعبة ومتنوعة، وترفع شعارات إنسانية ودينية براقة، لكنها تنفذ أجندة سياسية وأيديولوجية، وتسير على خطى جمعيات تنظيم الإخوان المسلمين التي تخلط بين العمل الخيري والسياسي، وتتسم بالدعم السخي الذي قدمته طوال السنوات الماضية وصب في مصلحة النظام السابق، ولم ينعكس إيجابا على أوضاع المواطنين البسطاء.
وتأتي جمعية قطر الخيرية ومنظمة “راف” على رأس المنظمات القطرية التي لديها أنشطة واضحة في السودان، وتتواجد في 10 محافظات، وصنفهما الرباعي العربي، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، على قوائم الإرهاب نظرا لدورهما في دعم الجماعات المتطرفة في عدة دول لاسيما في مناطق النزاعات والتوترات، وبينها السودان.
وأضاف سري، لـ”العرب”، أن الأنشطة الحالية للجمعيات القطرية تسير باتجاه تقديم الدعم العيني والمالي للمواطنين، والتركيز بشكل أكبر على المشروعات المغلفة بالطابع الديني، مثل بناء المساجد والتواجد بكثافة في المناسبات الروحية، وتستهدف بالأساس دعم نشاطات الحركة الإسلامية التي تحاول التأكيد أنها موجودة في المشهد السياسي السوداني ويصعب اجتثاثها.
وتجد هذه الحركة في تغلغلها في نسيج المجتمع السوداني عبر تقديم المساعدات الإنسانية وسيلة لتوطيد نفوذها، استعدادا للانتخابات المقبلة الأمر الذي بدأت منظمات قطر تتجه إليه وتعمل من أجله لضمان عودة من يمثلون نظام البشير إلى السلطة أو على الأقل الحصول على جزء معتبر فيها.
ويتولى الإشراف على المنظمات القطرية داخل السودان عناصر تابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، وحزب المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح الآن، ويعد الانتماء الأيدلوجي للنظام البائد من شروط قبول العمل فيها، ولا تزال تحاول الحفاظ على قوة الحركة الإسلامية، ومدها بالمال السخي بعد أن فقدت الثروة التي كانت تحصل عليها عبر وجودها في السلطة.
وشارك الإرهابي القطري، عبدالرحمن بن عمير النعيمي، الذي وضعته وزارة الخزانة الأميركية في العام 2013 على رأس لائحة الداعمين للتنظيمات الإرهابية في العالم، في تأسيس “منظمة الكرامة” العاملة في السودان، وأسهم في إدارتها.
وأصدرت الأمم المتحدة قرارا سابقا بوقف تسجيل هذه المنظمة في الأمم المتحدة لقيامها بتمويل تنظيم القاعدة في العراق، وأشارت أصابع الاتهام إلى بعض العاملين فيها بنسج علاقة مع تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ونشطت في السودان منظمة “نوافذ الخير” التي يرأسها شرف الدين مختار، وهو أحد ثلاثة عناصر إخوانية أسست لعلاقة الخرطوم مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن، ولم يكن بعيدا عن قطر التي وظفت تنظيمه في خدمة أغراضها.
ولعبت منظمة “معارج” التي رأسها علي البشير، شقيق عمر حسن البشير، دورا مهما في المضمار الإنساني بمساعدة الدوحة، والتي تلاقى عندها المال القطري مع الدعم الموجه لجماعات إرهابية في السودان، وكانت تستقبل الكثير من القيادات المتشددة المنتمية للتيار الإسلامي.
وأصدرت مفوضية العون الإنساني في السودان، في نوفمبر الماضي، قراراً بحظر 24 من المنظمات والاتحادات والمؤسسات المسجلة في البلاد، بينها “سند الخيرية” التي كانت تديرها وداد بابكر، زوجة الرئيس المخلوع عمر البشير، ومنظمة “البر والتواصل” المملوكة لزوجة علي عثمان طه القيادي البارز في الحركة الإسلامية السودانية.
وأكدت مصادر مطلعة لـ”العرب”، أن غالبية المنظمات المحظورة جرى تمويلها من قطر مباشرة، أو عبر دفعات شهرية من ميزانية القصر الجمهوري السوداني، ووضعت الحكومة يدها على أموال هذه المنظمات، وتقوم جهات التحقيق في سرية تامة بمهمة إثبات تورط الدوحة في دعمها، كأحد مطالب الثورة السودانية التي طالبت بتفكيك الأذرع الداخلية والخارجية لنظام البشير، وتحديد الجهات التي تعبث بالأمن القومي للبلاد.
خلصت قرارات لجنة تنفيذ قانون تفكيك نظام البشير التي صدرت مطلع شهر يناير 2020، إلى الحجز على شركة الأندلس صاحبة قنوات طيبة، والمملوكة للمتطرف عبدالحي يوسف، وهي بادرة قوية لرفض الدور القطري المتدثر بأغلفة إعلامية وإنسانية، لأن شركة الأندلس كانت لها علاقات مشبوهة بأنشطة تابعة لمنظمات قطرية نشطت في السودان.
وتعاني المفوضية السودانية التي حلت محل وزارة الشؤون الإنسانية من هيمنة كوادر حزب المؤتمر الوطني المنحل على العديد من الإدارات التابعة لها، ما يفسر بطء اتخاذ إجراءات سريعة بحق الجمعيات الخيرية القطرية. وتحاول حكومة عبدالله حمدوك الحفاظ على التوازن بين خطواتها الخاصة بشأن التوغل القطري في السودان وبين علاقاتها السياسية بالدوحة، لأن الجمعيات الممولة تقوم بأدوار اجتماعية ظاهرية في مناطق تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، بينما تحمل مآرب سياسية خفية.
أكدت الباحثة السودانية، منال خضير، أن السلطة الانتقالية تعيد تأسيس العمل الإغاثي والأهلي بما يضمن معالجة الخلل الظاهر على الوضع القائم، وتصب قراراتها الخاصة بشأن التعامل مع الجمعيات الأهلية في صالح إفساح المجال أمام عمل المنظمات عموما، وضمان التزامها بالقوانين المحلية والدولية ومنع استغلال المنظمات القطرية كأداة للدعم السياسي لقوى معينة.
وأضافت لـ“العرب”، أن وجود المنظمات الدولية يهدف إلى تقليص استغلال الأوضاع الاقتصادية كمدخل لتمرير أجندات لها أغراض سياسية، في ظل اتهام المنظمات المحظورة باستلام مبالغ من دول خارجية وصرفها في أوجه بعيدة عن دعم الفقراء، وتوجيهها لدعم الحركة الإسلامية والأحزاب السياسية التي تدور في فلكها.