تقارير وتحليلات
الخليج العربي
ضبط سفينة أسلحة إيرانية تحدث تحولا والسعودية بلا رؤية
محافظة المهرة الجنوبية الواقعة في أقصى الشرق الجنوبي في الحدود مع سلطنة عمان، حُيدت من الحرب التي افتعلها الحوثيون الموالون لإيران، لأسباب تكمن في إن القوات العسكرية التي تسيطر على المحافظة "هي قوات يمنية شمالية" يدين قادتها بالولاء لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، حليف السعودية، الفار من سيطرة الجماعة الزيدية على صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014م.
اتبع الحوثيون استراتيجية عزل مناطق عن بعضها خلال توجههم صوب الجنوب وعدن، نحو السيطرة على باب المندب، الممر الاستراتيجي، الذي تسعى إيران وتركيا للسيطرة عليه للتحكم في الملاحة الدولية.
تمثلت تلك الاستراتيجية في اسقاط ساحل حضرموت في قبضة تنظيم مفترض "من القاعدة"، فيما بقيت سيئون على الحياد، ولم يقترب منها أحد، فالقوات هناك تتبع نائب الرئيس اليمني (الحالي) علي محسن الأحمر الفار من صنعاء.
كانت عملية اسقاط المكلا قد عزلت المهرة والشرق الجنوبي عن عدن، بالتزامن مع اختفاء تنظيم القاعدة من محافظة شبوة التي كانت معقلا رئيسيا للتنظيم المتطرف، وهو ما سهل للحوثيين السيطرة على المحافظة النفطية.
تبقت المهرة ووادي حضرموت بعيدا عن السيطرة الحوثية، نجح الأحمر في وضع قواته العسكرية في وادي حضرموت على الحياد، حتى ان السعودية التي قادت تحالفا عربيا لمواجهة الحوثيين وابعادهم عن باب المندب، لم تلزم حليفها الفار من صنعاء، بتحريك القوات الضخمة في سيئون، ضد تنظيم القاعدة في المكلا او الحوثيين في شبوة ومأرب.
ويمتلك الأحمر قوات ضخمة في وادي حضرموت تمتلك مقاتلات حربية هي آخر ما تبقى مع الجيش اليمني الذي دمرته غارات التحالف العربي التي انطلقت فجر السادس من مارس (آذار) العام 2015م.
ولم يتوقف الدور السعودي عن الحد في عدم تحريك قوات الحليف الأحمر في وادي حضرموت، فالرياض التي تستضيف الرئيس اليمني المؤقت وقادة الحكومة اليمنية في أراضيها، تتهم بأنها فشلت في تحريك قوات ضخمة أسست في مأرب بتمويل سعودي، لتحرير صنعاء من قبضة الحوثيين.
نحو ثلاثمائة ألف مقاتل مولت السعودية تدريبهم وتسليحهم بمختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتسليم رواتب شهرية، بما يعادل "ألف دولار شهريا" للضباط واقل منها بقليل للجنود، ناهيك عن الدعم اللوجستي الشهري.
كانت الرياض تعول كثيرا على "مأرب" في تطويق صنعاء والضغط على الحوثيين للقبول بتسوية سياسية، يلتزم على أثرها "حلفاء إيران" بعد القيام باي اعتداءات على الأراضي السعودية، لكن حصل العكس من ذلك، فالحوثيون باتوا يضغطون بقوة على السعودية ويقتربون من حدودها بإسقاط محافظة الجوف.
منتصف فبراير (شباط)، أعلن الحوثيون المدعومون من إيران أنهم سيطروا على معسكر للجيش اليمني وعاصمة محافظة الجوف اليمنية الواقعة في الحدود مع السعودية، وسط تراخي من حلفاء الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي، "الإخوان" الذين يسلمون المعسكرات والمدن للمليشيات دون أي مقاومة، الأمر الذي فسر على إن ذلك "التسليم" يأتي وفق التحالفات بين طهران والدوحة.
وجهت اتهامات للإخوان بخيانة التحالف العربي، غير ان التحالف العربي لم يعلق على هذه الانتكاسات والهزائم، فيما يقول الحوثيون ان الدوحة تقف ضد سيطرتهم على مأرب المعقل الرئيس لتنظيم الإخوان.
حرفت الآلة الإعلامية لقطر الرأي العام صوب المهرة في أقصى الشرق، بالتزامن مع ضبط الولايات المتحدة الأمريكية لسفينة أسلحة إيرانية كانت في طريقها صوب الحوثيين، تبين ان مسؤولين في حكومة الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي على صلة وثيقة بتهريب الأسلحة والطائرات المسيرة للحوثيين، وهو ما أكد عليه تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة الذي أكد على ان تمول الحوثيين بالأسلحة والطائرات المسيرة يمر عن طريق مناطق خاضعة لسيطرة حكومة هادي، في اشارة إلى المهرة وسيئون ومأرب، ولم يفوت التقرير التأكيد على ان مسؤولين حكوميين موالين لهادي تورطوا في تهريب الأسلحة للحوثيين.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في منتصف فبراير (شباط) الجاري ضبط سفينة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن.
وقالت القيادة المركزية "إن البحرية الأمريكية البحرية الأميركية اعترضت 358 صاروخاً إيراني الصنع، وأسلحة أخرى كانت في طريقها ".. معتبرة أن هذه العملية تعد دليلاً آخر على أن إيران تعد أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وعلى تحديها لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
وأشارت إلى أن الأمر يعد انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي يحظر الإمداد المباشر أو غير المباشر بالأسلحة أو بيعها أو نقلها إلى الحوثيين.
ويبدو ان الأمريكان طلبوا من السعودية التحرك لتأمين ميناء شحن البري، حيث طلبت الرياض من حكومة هادي الترحيب بإعلان القيادة المركزية الأمريكية ضبط سفينة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي، وهو ما قامت به حكومة هادي التي اعتبرت تهريب الأسلحة انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن بحظر توريد الأسلحة للحوثيين.
وبعد الترحيب بالإعلان الأمريكي تحركت قوات عسكرية سعودية ترافقها قوات محلية يشرف عليها محافظ المهرة راجح سعيد باكريت، نحو ميناء شحن البري الذي تدخل عبره الأسلحة الإيرانية، بهدف تأمينه، الا ان مسلحي مليشيات تمولها قطر وإيران وتركيا ويتزعمها تاجر السلاح علي سالم الحريزي، المقال من منصبه كوكيل للمحافظة.
انقسمت الحكومة اليمنية بين تأييد ورفض التحركات السعودية ، فنائب الرئيس اليمني والزعيم العسكري الإخواني علي محسن الأحمر، أصدر على استحياء "توجيهات بالتعاون مع القوات السعودية"، قابلها توجيهات رافضة من قبل وزير الداخلية أحمد الميسري الذي وجه بعدم السماح للقوات السعودية بالاقتراب من الميناء البري.
لم تلق توجيهات نائب الرئيس اليمني (حليف الرياض) أي تجاوب، بل على العكس رفضت تماما، مع تنفيذ حرفي لتوجيهات الميسري، الذي يبدو انها توجيهات (الزعيم العسكري الإخواني)، الذي يتحكم في السلطات الشرعية وقراراته وتوجيهاته نافذة، وهو ما يؤكد على وجود دور كبير للرجل في احداث المهرة الدموية والتراجيدية.
ولكن "الأحمر" يبدو انه لا يريد الدخول في مواجهة مع السعودية التي تستضيفه، وهو ما دفعه لتحريك قوة عسكرية تعرضت لهجوم بصاروخ حراري، تسبب في مقتل سبعة جنود.
هذا الهجوم العسكري الذي جاء بعد سنوات من تلويح حلفاء محليين للدوحة وأنقرة بطرد القوات العسكرية السعودية التي تتمركز في المهرة، لكن الحكومة اليمنية المؤقتة، ذهبت نحو الاطاحة بحليف السعودية، وهو ما كسب حلفاء التحالف الثلاثي نشوة انتصار سياسي ومعنوي وعسكري.
فالمنافذ البرية والبحرية تحت سيطرة قوات نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، لكنها لا تخضع للتحالف العربي بقيادة السعودية، لكن لا يمكن وصفها بالمتمردة، فهذه القوات يتلقى قادتها توجيهات من نائب الرئيس اليمني ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
تراجعت السعودية في السيطرة على منفذ شحن البري، مما أكسب المناهضون للتحالف العربي "انتصارا معنوياً" في الحصول على المزيد من المكاسب، دفعت وزير الداخلية إلى القيام بجولة خارجية التقى خلالها الرئيس الأسبق علي ناصر محمد الذي تربطه علاقة وثيقة بإيران، ناهيك عن لقاءات سرية عقدها الرجل الذي اعلن ولاءه لتركيا منذ تعيينه وزيرا للداخلية في العام 2017م.
يوهم مسؤولون في حكومة هادي الرأي العام، إن ما حصل في المهرة، هي ضغوط من الحكومة اليمنية على السعودية لمنح مأرب الضوء الأخضر لاجتياح عدن واحتلالها وصولا إلى باب المندب.
السعودية التي تريد تنفيذ طموحها في مد أنبوب نفط دولي من أراضيها إلى بحر العرب عبر الأراضي الجنوبية وتحديداً محافظة المهرة (شرقي عدن العاصمة)، الأنبوب الذي تريد الرياض مده من منطقة "الخرخير" وخطط له أن يصب في ميناء نشطون البحري، كان قد طرح على الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي طرح عدة شروط من بينها دعم الرياض ليمن موحد وانهاء كل دعوات "استقلال الجنوب"، ودعم ترشيح نجله لأن يكون رئيسا بديله، وحصوله على نسبة من نفط السعودية، إلا ان ظروفا حالت دون تحقيق ذلك.
صقور حكومة هادي الذين يعملون وفق أجندة النائب علي محسن الأحمر، يسعون إلى خداع السعودية بشأن الموافقة على مد الانبوب، وهو ما عبر عن وزير الداخلية، الذي دعا في يناير (كانون الثاني) السعودية ان كانت تريد تحقيق مصالحها ان "تأتي من الباب لا انت تأتي من النافذة"؛ في رسالة واضحة للسعودية بأن تحقيق مشروع مد الأنبوب، لن يتم إلا عبر الصقور، لكن ما هو المقابل؟.
يبدو من الواضح ان المقابل لتنفيذ هذا المشروع، انهاء او افشال اتفاق الرياض، ودعم القوات الموالية للإخوان لاستكمال سيطرتها على الجنوب وساحل البحر العربي وصولا إلى عدن وباب المندب.
على الرغم من أن معركة المهرة، معركة "قطرية إيرانية ضد السعودية"، إلا ان الوعود التي قدمت من صقور حكومة هادي للرياض، كانت "التمكين" من عدن مقابل تمكينها من المهرة، لكن تظل مليشيات الحوثي الرابح الأبرز، مما حصل في المهرة، ويمثل أيضاً انتصاراً، لمشاريع الاطراف الاقليمية المتخاصمة مع السعودية، وهو ما يعني ان تلك الوعود "ليست إلا هشيماً تذروه رياح التحالف الثلاثي".
تقول حكومة هادي إن السعودية تواصل تقدم الدعم العسكري لقوات إخوانية، تسيطر على شبوة واجزاء من أبين، وعلى الرغم من ان هذه القوات تدين بالولاء لخصوم السعودية، لكن بقاء هذه القوات في السيطرة على موانئ بحرية في شقرة وشبوة، يؤكد على أن السعودية باتت دون رؤية في مواجهة "التحالف القطري التركي الإيراني".
وتميكن هذه القوات بشكل أكبر من الجنوب، يعني تقديم الرياض للمزيد من التنازلات، ودعم الإخوان للسيطرة بشكل أكبر واوسع على الجنوب، يعني خسارة السعودية لمشروع مد الانبوب نحو بحر العرب، حتى لو اضطرت إلى المصالحة مع قطر وتركيا وإيران، فالمشروع الذي يتبناه هذا التحالف الثلاثي يستهدف وحدة أراضي المملكة العربية السعودية.
ويمثل اتفاق الرياض نقطة تحول استراتيجية ومهم في الاستراتيجية والرؤية السعودية، ففشل الاتفاق، يعني إنها بداية انتكاسة حقيقية للسعودية التي تخسر الكثير بفعل سياسة معاداة حلفاء المشروع العربي، وارضاء الخصوم والحلفاء الاعداء.