محاكمة برلمان مصر لوزير الإعلام بداية تحديث أم تصفية حسابات

أكثر جرأة في تشريح أزمة الإعلام

القاهرة

بلغ صدام مجلس النواب المصري مع وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، مرحلة اللاعودة، بعدما رفضت لجنة الثقافة والإعلام بالإجماع البيان الذي ألقاه على البرلمان قبل أيام، وطلب هيكل من المجلس تأجيل مناقشة الجلسة العامة لبيانه إلى حين تجهيز ردود جديدة يدافع بها عن نفسه أمام الاتهامات التي طالته الفترة الماضية.

وقالت مصادر برلمانية لـ”العرب”، إن رفض أغلبية مجلس النواب لبيان وزير الدولة للإعلام، تعني سحب الثقة السياسية منه، وهو ما يفرض على الحكومة تغييره أو دفعه إلى تقديم استقالته، لأنه وقتها لن تكون له شرعية داخل مجلس الوزراء، طالما لم يحصل على تأييد من البرلمان لبرنامج وزارته خلال الفترة الماضية أو المقبلة.

ولم يتعرض أيّ وزير في الحكومة لهجوم شرس من أغلبية النواب، كما حدث مع هيكل، حيث اتهمه أعضاء المجلس بالتربح من منصبه والجمع بين وظيفتين، هما وزير الإعلام ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، والإخفاق في وضع سياسة إعلامية للدولة، والتهاون مع المنابر الأجنبية، وعدم التحرك بشكل جاد لتطوير الإعلام الرسمي وتحسين صورة الدولة.

ومن غير المتوقع أن تثمر ردود هيكل الجديدة أمام البرلمان عن وقف استهدافه والسير في طريق إقصائه وتنحيته عن المنظومة الإعلامية، في ظل صراعه المتكرر مع رؤوس الهيئات الإعلامية والدوائر المعنية بملف الإعلام عموما، وسط توقعات بإمكانية إلغاء الوزارة خلال التعديلات المرتقبة على حقائب الحكومة.

ويقول متابعون إن أزمة أسامة هيكل الحقيقية تكمن في أنه كان أكثر جرأة في تشريح أمراض المنظومة الإعلامية على مستوى الصحافة والتليفزيون الرسمي والمواقع الإلكترونية، ما لم يكن مألوفا لدوائر كثيرة تشارك في إدارة المشهد عن بعد أو قرب، حيث اتهم الإعلام المحلي بالضعف في الرد على نظيره الأجنبي، وأن المنابر الرسمية وصلت حدّ الترهل، وصارت مواقع التواصل أقوى تأثيرا وشعبية من بعض القنوات.

وما يثير استغراب البعض من المتابعين، أن نظرة هيكل إلى وضعية الإعلام تبدو قريبة من رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي اعتاد عقد لقاءات مع الوزير لدراسة الموقف والبحث عن حلول جذرية لأزمات الملف الإعلامي، وسبق أن وافق الرئيس السيسي على ما طرحه هيكل بشأن الخطوط العريضة التي يمكن البناء عليها ليكون لدى الدولة إعلام قوي وعصري وله تأثير كبير.

ويقود ذلك إلى ارتفاع سقف التوقع بوجود خلافات بين الجهات المشاركة في صناعة القرار الإعلامي داخل الحكومة نفسها، فقد يكون هناك تيار يدعم تغيير المشهد من أعلى، أي من خلال وزير الإعلام بحيث يكون همزة الوصل بين رأس الدولة والهيئات الإعلامية، لكن ذلك التوجّه ربما لا يلقى تأييدا وترحيبا من رؤوس المنظومة نفسها التي شعرت لفترة بأنها مهمّشة.

ولدى شريحة من أبناء المهنة شعور متصاعد بأن محاكمة البرلمان لوزير الإعلام، لا يمكن فصلها عن صراعه الشخصي مع جهات عديدة داخل المنظومة التي تدير الصحف القومية أو المعنية بضبط ورقابة وإدارة القنوات، أو حتى نقابة الإعلاميين ذاتها، عقب تصريحات متكررة عن وجود ظواهر سلبية في هذه الجهات دفعت بالإعلام المصري إلى الهاوية.

في المقابل يبرر البعض من المعارضين لهذا الطرح موقفهم الرافض لاستمرار أسامة هيكل في المشهد، بأنه أخفق في وضع سياسة إعلامية يتم فرضها على كل المؤسسات، تحدد الهدف المطلوب من الإعلام المصري، بدلا من الفوضى التي تسيطر عليه، حتى يستردّ تأثيره محليا ودوليا، وأنه استغرق في الصراع مع جهات عديدة، وانشغل بمعارك جانبية جعلته يهمل المهام الأساسية لمنصبه.

ودافع وزير الإعلام عن نفسه أمام البرلمان، بأنه لا يتمتع بالصلاحيات الكافية التي تساعده على وضع سياسة إعلامية ملزمة للصحف والقنوات الرسمية، بحكم وجود أكثر من جهة تشارك في صناعة القرار الإعلامي.

وهي تصريحات حملت اتهامات غير مباشرة لدوائر بعينها، بأنها تعمدت إفشاله ومحاصرته بالأزمات كي لا ينجح في المهمة، ويكون ذلك ذريعة للتخلص منه، وإسناد المهمة إلى جهات أخرى تتولى إدارة المشهد الإعلامي.

وقالت ليلى عبدالمجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا، في تصريحات لـ”العرب”، إن مساءلة البرلمان لوزير الإعلام ظاهرة صحية سوف تكون لها انعكاسات إيجابية على تطوير الأداء داخل المنظومة برمّتها، لأن النبش في أزمات الإعلام مقدمة للوقوف على مشكلاته الحقيقية ونقاط ضعفه التي تحتاج إلى الترميم، بحيث لا يتمّ التدخل للإصلاح إلّا بناء على وقائع محددة.

ومعضلة أغلب المنابر الإعلامية أنها تعاملت مع مساءلة البرلمان لأسامة هيكل، باعتبارها انعكاسا لارتفاع منسوب الديمقراطية وسقف الحريات، بدليل أن الصحف والقنوات صارت تشارك في الهجمة على وزير الإعلام، وتنقل هجوم النواب عليه دون خوف، وتستعين بعض البرامج بأعضاء في المجلس للحديث عن سلبيات الوزير وإخفاقه وتقديم ما يبرهن على حتمية إقالته.

ويرى خبراء أن مشاركة منابر إعلامية للبرلمان في الهجوم على هيكل يقحمها بشكل غير مبرر في صراعه مع رؤوس الهيئات الإعلامية، فعندما ينتقده التليفزيون الرسمي، فهذا تحريك مباشر على مصالح الهيئة الوطنية للإعلام التي تمتلك وتدير القنوات الحكومية، خاصة بعدما انتقد الوزير أسلوب وسياسة التطوير التي حدثت في اتحاد الإذاعة والتليفزيون من خلال جهة إعلامية تمتلك أغلب القنوات التي كانت خاصة وصارت تحت يد الحكومة.

وعندما تهاجم بعض الصحف أسامة هيكل، فهي تابعة للهيئة الوطنية للصحافة التي دخل معها وزير الإعلام في مواجهة محتدمة قبل أيام حول ارتفاع سقف ديون المؤسسات الصحافية، بشكل جعلها عاجزة عن الوفاء بمتطلباتها أو توفير نفقات تطويرها وتحسين الأداء، ما وضع الهيئة في موقف بالغ الحرج.

ويشير انتصار البرلمان لخصوم وزير الإعلام إلى أن التغييرات المرتقبة في الملف ستكون على مستوى الوزارة فقط، مع الإبقاء على الوجوه الحالية، سواء التي تشارك في إدارة المشهد علانية أو من وراء ستار، ما يكرس بقاء الوضع دون تغيير، من حيث تشتت الجهات والرؤى والاستراتيجيات وخطط التطوير، وتستمر الهيئات في بقائها بجزر منعزلة، بحكم أن الشخصية المكلفة بفرض سياسة واحدة على الجميع صارت بلا أنياب ولا شرعية تسمح لها بالتدخل والتوجيه ولا حتى بتقديم النصيحة.

يقول صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، في تصريح لـ”العرب”، إن هناك اتجاها للتخلص من وزير الدولة للإعلام باعتباره “من يقف في طريق إسناد إدارة المنظومة إلى الجهة التي تدير أغلب المنابر لتكون قراراتها مركزية، ويتم الاعتماد عليها بشكل أكبر، بذريعة أن تجربة الاستعانة بوزير لم تؤت ثمارها، وبالتالي يعود المشهد إلى ما كان عليه في السابق، وخطورة ذلك، أن يستمر الاعتماد على غير المتخصصين ولا الكفاءات في ضبط وتطوير وإدارة المشهد”.