عين التيار الصدري على رئاسة الوزراء

الصدر يقدم نفسه لواشنطن ولندن كعراب معتدل لرئاسة الحكومة العراقية

يشجع مقتدى الصدر أنصاره على الحصول على الحصة الانتخابية التي تؤهل تياره للمساومة على منصب رئيس الوزراء القادم، في وقت ينفتح على الغرب عبر لقاءات جمعت قياديين في التيار الصدري مع دبلوماسيين غربيين.

مقتدى الصدر

بغداد

يدفع التيار الصدري وزعيمه رجل الدين مقتدى الصدر إلى الحصول على الحصة الكبيرة في الانتخابات البرلمانية المؤمل إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل، تؤهل التيار مع حلفائه لتشكيل الحكومة العراقية القادمة، في الوقت الذي يفتح فيه قنوات حوار مع الغرب عبر دبلوماسيين بريطانيين وأميركيين .

ويعمل الصدر على مستوى آخر بعرض تياره على الولايات المتحدة وبريطانيا على أنه البديل المعتدل والفاعل في المشهد العراقي الشيعي ومنع أن يصبح العراق الجسر المثالي لإيران للوصول إلى سوريا ولبنان والبحر المتوسط، وهو أمر لا تمانع واشنطن في التعاطي معه شريطة أن يواجه الزعيم الشيعي هيمنة ميليشيات الحشد الشعبي على مقدرات الدولة العراقية.

ويشجع الصدر منذ أسابيع أنصاره في المدن العراقية على الزحف نحو قبة الإصلاح في ما أسماها “مليونية عراقية انتخابية”، مستغلا نفوذه كقوة سياسية وطائفية مؤثرة.

وقال الصدر الخميس مستثمرا زيارة أربعينية الإمام الحسين التي ستصادف الأسبوع المقبل إن ثلة الفساد جعلت الإمام الحسين ضحية لنزواتها وستجعل العراق ضحية لفسادها، مطالبا بأن “نصلح أنفسنا ثم واقعنا المرير الذي تتحكم فيه ثلة الفساد”.

وتأتي تصريحات الصدر فيما تياره يخوض المعركة الانتخابية الأشرس خصوصا مع القوى والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والمنافسة للتيار الصدري على منصب رئيس الوزراء المخصص للشيعة وفق المحاصصة الطائفية.

ويأمل الخصم السابق للولايات المتحدة، الذي يعتبر اليوم أكثر الشخصيات نفوذا في العراق، في مضاعفة حصته البرلمانية وتعيين رئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة.

وقال ضياء الأسدي العضو البارز في التيار الصدري، إن الصدر “أعلن أننا نريد منصب رئيس الوزراء”، في إشارة إلى موقف يتم الاتفاق عليه عادة من خلال المفاوضات البرلمانية في غياب الأغلبية.

وسبق وأن كشف مصدر سياسي عراقي مطلع عن تفاهمات انتخابية بين رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والصدر، تقضي بدعم التيار الصدري لرئيس الوزراء بهدف البقاء على رأس الحكومة.

وأكد المصدر في تصريح لـ“العرب” أن هذه التفاهمات تحظى بدعم قوى شيعية ممثلة برئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، وعن القوى السنية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ومسعود البارزاني عن القوى الكردية.

على الجانب الآخر يقدم التيار الصدري نفسه للمحيط الإقليمي والدولي بوصفه لاعبا سياسيا معتدلا لإنقاذ العراق من الميليشيات المدعومة من إيران ومحاربا لقوى الفساد التي تخترق المؤسسات العراقية.

ويدرك الصدر جيدا أن خصومه في البيت الشيعي هم الآن في أضعف مراحلهم لذلك سيكرس نفوذه داخل الدولة من خلال دعم الكاظمي وربط علاقة تفاهم مع الأميركيين عبر هذا الدعم، ما يحوله إلى الرجل المهم في العراق.

وذكرت صحيفة فايننشيال تايمز أنه بالنسبة إلى بعض صانعي السياسة الغربيين القلقين من النفوذ الإيراني في العراق، فإن الصدر الذي وصفته وسائل إعلام أميركية سابقا بالأكثر خطورة في العراق قد يكون بديلا جذابا لجماعات أكثر موالاة لإيران.

ويُنظر إلى الصدر بشكل متزايد على أنه بديل قومي وعازل محتمل ضد الأحزاب الأكثر ميلا لإيران. وما تريده الولايات المتحدة من انفتاحها على عائلة آل الصدر بإرثها السياسي والديني هو البحث عن سبل استقرار السلطة في العراق وليس جولة أخرى من تغيير الوجوه.

وكشفت الصحيفة البريطانية في تقرير موسع لها عما رأته دلالة على مدى تغيّر التيار الصدري، بالتقاء أعضاء نافذين مقربين من الصدر بدبلوماسيين غربيين.

وقال الأسدي “توجه التيار الصدري هو الانفتاح على العالم”، مؤكدا على أنه يجب أن يكون على أساس المصلحة المشتركة وألا يكون لأي دولة الحق في التدخل في الأعمال التجارية العراقية.

وقال دبلوماسي غربي إن التيار الصدري “اتخذ قرارا متعمدا” العام الماضي بالتواصل مع بريطانيا والولايات المتحدة، إذ أدركوا أنهم إذا لعبوا دورا أكبر في الحكومة، فإن وجود علاقات مبدئية مع القوى الغربية سيكون أمرا مفيدا.

غير أن المتحدث باسم السفارة الأميركية في بغداد نفى أي اتصال مع أعضاء في التيار الصدري. فيما رفض مسؤولون بريطانيون التعليق على مثل هذه اللقاءات.

إلا أن لهيب هيجل المختصة بالشؤون العراقية في مجموعة الأزمات الدولية أكدت على تحسن علاقة الصدر والغرب بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية.

وتتقاطع التكهنات بشأن الحصة الانتخابية المتوقع أن يحصل عليها التيار الصدري في الانتخابات المقبلة، لاسيما مع العزوف المعلن لقطاعات واسعة من العراقيين عن المشاركة في التصويت.

وتبدو قبضة التيار على السلطة واضحة في سيطرة حلفائه على أجزاء كبيرة من الدولة العراقية المثقلة بالفساد، بما في ذلك وزارتي الصحة والكهرباء حصة التيار في الحكومة. وهو عامل مساعد في الحصول على المزيد من الأصوات الانتخابية.

وكان قياديو التيار الصدري في الحكومات المتعاقبة يعملون علنا ويشاركون في حفلة الفساد منذ عام 2003. وحصل الصدريون رغم سلوك زعيمهم المتذبذب وارتكاب جيش المهدي خروقات قاتلة، على النصيب الأكبر من المناصب “الخاصة”، وهي مناصب قوية في الخدمة المدنية تتقاسمها الأحزاب السياسية.

وقالت مارسين الشمري الزميلة في معهد هارفارد كينيدي والمقيمة في بغداد “لا أحد يثق بأن الصدر ليست له علاقة بإيران، أو أنه لن يتحالف مستقبلا مع طهران، لكنه في هذا الوقت تحديدا يقدم نفسه كسياسي معتدل وفاعل يعمل من أجل مصلحة العراق وهو يشير إلى الميليشيات المارقة الموالية لإيران عندما تقوم بقصف السفارة الأميركية في بغداد”.

بيد أن المحلل السياسي العراقي علي الربيعي يرى أن رئاسة الوزراء في العراق لا تتعلق بنتائج الانتخابات وحدها بقدر ما تتعلق بالتسويات الإيرانية – الأميركية على القبول برئيس الوزراء الجديد.

وقال الربيعي في تصريح لـ”العرب” “لا التيار الصدري ولا أي كتلة شيعية طائفية لديها رؤية لبناء الدولة أو مشروع سياسي للعراق أو حتى برنامج حكومي حقيقي لتوفير الخدمات الأساسية”.

وعبّر الربيعي عن اعتقاده أن أي رئيس وزراء مر أو سيكون مستقبلا لا يمكن أن يجلس في موقعه من دون أن تتم “فلترته” في مكتب مرجعية النجف برئاسة علي السيستاني.

وأكد على أن التحالفات المعلنة لهذه القوى الطائفية تقوم على سوق سوداء موازية للسياسة، بغياب لافت عند التيار الصدري لأيّ تطور في الفكر السياسي ولأيّ مشاريع أو برنامج تنفيذي لإدارة عملية اقتصادية متوقفة منذ عقود.

وتتقاطع القراءات السياسية في قراءة مستقبل الصدر وتياره في المساهمة في بناء الدولة العراقية وإنقاذها من الفساد.

وتم دفع مقتدى الصدر إلى منصب الزعامة من غير أن يملك أدنى مؤهلاتها، ولا يزال بالرغم من مضي أكثر من ثمانية عشر عاما هو ذلك الصبي المدلل الذي يكرهه أركان البيت السياسي الشيعي، إضافة إلى أن أعمدة الحوزة الدينية لا تطيق سماع اسمه، غير أن أحدا لا يملك القدرة على شطبه أو تجاوزه أو عدم اعتباره رقما صعبا في العملية السياسية.

ويرى الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف أن الصدر يمثل دور مَن لا يفهم ولا يدري ما يحدث حوله.

وقال “لا ينتمي الصدر إلى الطبقة السياسية إلا في حدود المعايير العراقية المتهالكة التي سمحت بسبب ابتذالها بدخول أميين وأفاقين وفاسدين إلى الحياة السياسية. لكن زعامته في العراق لا تُناقش ولا جدال فيها”.