قعر جهنم..

خزعبلات..تعرف على حقيقة بئر برهوت في صحراء اليمن

“سجن الجن” حقيقة مزيفة

عدن

وزعت هيئة الإذاعة البريطانية، عبر موقعها، النبأ الأخير، عن بئر تقع في محافظة “المهرة” الحضرميّة، قيل عنها الكثير من الأساطير عبر التاريخ، باعتبارها بئراً مسكونة بالأرواح الشريرة، التي جعلت الفقهاء والشارحين الذين مرّوا في التاريخ الإسلامي يُدلون بدلوهم في البئر، ويتحدثون عنها بلغة مجاورة لمخرجات البحث الجيولوجي أو اختبارات علماء المياه، لكنها تندرج كلها في خانة الأساطير.

يقول النبأ إن فريقاً من مستكشفي الكهوف العُمانيين، تمكنوا للمرة الأولى من النزول إلى قاع بئر برهوت في صحراء اليمن وتعرفوا على “قعر جهنم” أو “سجن الجن”. ولم يقدم النبأ تفصيلاً لفحوى ذلك القعر، أو وصفاً للسجن المزعوم. غير أن علماء اكتشاف الكهوف، استطاعوا ـ حسب النبأ ـ النزول إلى البئر، وهذا عمل مُقدّر من حيث المبدأ، لكن الناس ما يزالون في انتظار المعاينة أو سماع رواية العلماء، عن اكتشافهم!

مسألة البئر، ظلت ملتبسة على مر الدهور، وأغرب ما فيها هو مما قيل عنها. فالطبراني، الذي وضع معجمه الكبير، نسب إلى النبي محمد عليه السلام كلاماً منقولاً عن ابن عباس عن بئر مفعمة بطائفة من الجراد والهوام، مع “ماء بلا بِلال” باعتباره شر ماء على وجه الأرض. وجاء ذلك في سياق مقارنة ماء زمزم بماء برهوت. والنقل هنا، عن الصحابي ابن عباس الذي عاش في القرن السابع، وكان يلتزم مجلسه في المدينة المنورة، أما الطبراني، صاحب المعجم، فهو من أهل طبريا الفلسطينية. أما محمد رسول الله، فقد كان يبعث بالرسل إلى اليمن وحضرموت، ولم تطأ قدماه تلك الأرض. وكان أبوالقاسم الزمخشري، الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي، قد جزم بأن بئر برهوت بها أرواح الكُفّار، علما بأن الرجل من تركمانستان، وقد أمضى جل حياته في مكة مجاوراً فنودي بـ”جار الله”. وأكد على هذا الرأي ياقوت الحموي في “معجم البلدان” علماً بأن ياقوت ـ وهو من أصل رومي ـ  عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، وسكن بغداد طوال حياته. ونُسب للإمام علي أنه ذكر ماء برهوت من بين أنواع المياه الثمانية المكروهة، وفيها أسماء آبار وأوصاف مياه، ولا نظن أن الرواية صحيحة، وأن علياً كرّم الله وجهه، أعرب عن كراهيته للماء شديد الحرارة والماء شديد البرودة، لأن الأول يمكن تبريده والثاني يمكن تسخينه!

ينقل الأصمعي الذي عاش في القرن التاسع، عن رجل حضرمي، والذي توفي في القرن التاسع قوله “إنا نجد من ناحية برهوت رائحة منتنة فظيعة جداً فيأتينا الخبر أن عظيماً من عظماء الكفّار قد مات. ويحكى أن رجلاً بات ليلة بهذا الوادي؛ قال: فكنت أسمع طول الليل: يا دَومة يا دَومة، ثم سمعت إن المَلك المُوكّل بأرواح الكفار اسمه دومة!”.

خليط من الأوصاف والآراء عن تلك البئر، منها ما ينسب إلى النبي عليه السلام، ومنها ما يُنقل من لسان إلى لسان، ويؤسس لمنظومة أسطورية تختص ببئر برهوت دون سواها. وكأن الكافر عندما تُلقى جثته في البئر، تفوح منها رائحة نتنة على افترض أن جثة المؤمن سوف تختلف رائحتها، وتستحيل عطراً.

أغلب الظن، من موقع الإيمان، أن الفكر الإسلامي ليس في حاجة إلى مثل هذه الخزعبلات، مثلما أن مكتشفيها اليوم، ليسوا في حاجة إلى تشديد التسمية المرعبة، التي نقلها النبأ، لقعر البئر، باعتباره “قعر جهنم” لأن لجهنم نفسها، شروحات أخرى مطولة!