سياسة الهروب إلى الأمام تكلف الاقتصاد القطري خسائر بمليارات الدولارات..

تقرير: الدوحة تدفع ثمنا باهظا لسياسة 3 سنوات من المكابرة

قطر تؤكد أن اقتصادها نجح في التكيف مع المقاطعة وأنه قادر على الصمود، لكن الواقع بمنطق الأرقام يشير إلى عكس ذلك ويؤكد أن الوضع أسوأ بكثير مما تقدمه الرواية الرسمية.

وكالات

بعد ثلاث سنوات على قرار المقاطعة العربية والخليجية لقطر، تجد الدوحة نفسها نتيجة سياسة المكابرة والعناد والارتماء في أحضان إيران وتركيا اللتين تعاملتا مع ورطتها بمنطق الغنيمة، في أزمة هي الأسوأ في تاريخها.

 وتشير مؤشرات وبيانات رسمية وتقارير هيئات مالية دولية إلى ارتفاع قياسي في ديون قطر الخارجية وخسائر طالت معظم قطاعاتها الحيوية من الطيران إلى السياحة إلى القطاع المصرفي وهبوطا في الإيرادات وارتفاعا في النفقات وتعثرا للعديد من المشاريع نتيجة أزمة سيولة واستنزاف للمالية العامة بسبب نفقات منشآت مونديال 2022 وحملة علاقات عامة مكلفة للغاية لتلميع صورتها في الخارج التي لطختها الارتباطات المشبوهة بجماعات إسلامية متطرفة.  

وتؤكد الإمارة الخليجية الصغيرة أن اقتصادها نجح في التكيف مع المقاطعة وأنه قادر على الصمود، لكن الواقع بمنطق الأرقام يشير إلى عكس ذلك ويؤكد وفق بيانات محلية ودولية صادرة في العام الماضي وبدايات العام الحالي أن الوضع أسوأ بكثير مما تقدمه الرواية الرسمية.

 واضطرت قطر بعد قرار المقاطعة العربية والخليجية للبحث عن مسارات جوية وبحرية بعيدة ومكلفة جدا لتأمين حاجاتها الأساسية وتسيير رحلاتها الجوية والبحرية.

وأقرت الخطوط القطرية على لسان رئيسها التنفيذي أكبر الباكر بأنها تواجه وضعا صعبا مع استمرار تسجيلها لخسائر لم تتوقف منذ قرار المقاطعة العربية في الخامس من يونيو/حزيران 2017.

وتضاعفت خسائر الناقلة الجوية القطرية بنحو ثماني مرات خلال العام المالي المنتهي في 31 مارس/آذار الماضي، لتبلغ 640 مليون دولار ارتفاعا من خسائر بلغت في 2019 حوالي 69.55 مليون دولار، وفق مجلة 'فوربس' ووفق حسابات معلنة في منتصف يناير/كانون الثاني من العام الحالي.

ومثلت الخسائر التراكمية للشركة بنهاية السنة المالية أيضا نحو 9.1 بالمئة من رأسمالها مقابل 4.5 بالمئة بنهاية السنة المالية المنتهية في مارس/اذار 2018.

وأعلنت الخطوط القطرية في الفترة الأخيرة أنها ستقوم بتسريح العديد من الموظفين والعاملين فيها بسبب الضغوط التي فرضها تفشي فيروس كورونا ومنها انخفاض الطلب على الطيران.

وتسبب فيروس كورونا في خسائر كبيرة وضرر لكل اقتصادات العالم، إلا أنه عمق أزمة قطاعات الاقتصاد القطري الحيوية ومنها قطاع الطيران الذي يواجه منذ نحو ثلاث سنوات ضغوطا مالية تراكمية بفعل عزوف المسافرين عن الحجز عبر الخطوط القطرية لأكثر من سبب أولها كثرة الشبهات حول ارتباط الدوحة بالإرهاب وأيضا لبعد المسارات الجوية التي تسلكها.

وفتحت الناقلة الجوية القطرية العديد من المسارات والوجهات في ظل المقاطعة، إلا أن كل الحلول الترقيعية لم تكبح خسائرها.

وكان أكبر الباكر قد قال في تصريحات سابقة لوكالة رويترز "قد نستغني عما قد يصل إلى 20 بالمئة من الموظفين في المجموعة" بسبب الصعوبات الناجمة عن أزمة كورونا.

وكانت الخطوط القطرية قد حذّرت بدورها من تسجيل ثالث خسارة على التوالي في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس/اذار من كل عام حتى قبل ظهور وتفشي جائحة كورونا وتأثر الطلب العالمي على السفر.

وتخطط الخطوط القطرية وفق ما أعلنه رئيسها التنفيذي لبيع 5 طائرات من طراز بوينغ 737 ماكس من أسطولها، في محاولة لتقليل الخسائر.

وأشار الباكر أيضا في تصريحاته السابقة لرويترز إلى أن إيرباص وبوينغ قد ترفضان طلبات تأجيل تسلم طائرات تقدمت بها الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة، مضيفا "نتفاوض مع بوينغ وإيرباص لتلبية طلبنا للتأجيل ونأمل أن يلتزم المنتجان" بذلك.

وأوضح كذلك أن عشر طائرات من طراز إيرباص إيه380 لن يحلق حتى منتصف أو أواخر 2021 على الأقل، فيما تخطط الشركة لتقليص أسطولها البالغ حاليا نحو 200 طائرة.

وهبطت أصول الشركة بنحو 5.6 بالمئة خلال العام المالي الماضي إلى 27 مليار دولار، فيما كانت في العام المالي الذي سبقه 28.7 مليار دولار.

وأمنت الخطوط القطرية في خضم جائحة كورونا عشرات الرحلات للمئات من العالقين من الرعايا الأجانب لأكثر من وجهة، وحظيت بإشادة أوروبية على المبادرة، لكن الكلفة كانت عالية جدا باعتبار أنها جازفت بنقل العدوى في ذروة تفشي الفيروس.

وفي الثاني من يونيو/حزيران الحالي اضطرت اليونان لتعليق الرحلات من وإلى قطر على خلفية مخاطر انتقال العدوى. وجاء القرار اليوناني بعد رصد  مصابين بفيروس كوفيد 19 بين ركاب رحلة آتية من الدوحة.

وأعلن جهاز الحماية المدنية اليوناني في بيان أن الفحوص أظهرت إصابة 12 مسافرا من أصل 91 كانوا على متن طائرة تابعة للخطوط القطرية هبطت في أثينا، بفيروس كورونا.

وبين المصابين تسعة باكستانيين يقيمون في اليونان ويونانيان يعيشان في أستراليا وأحد أفراد أسرة يونانية يابانية.

تراجع عدد السياح الأجانب

وبسبب ارتباطات قطر بجماعات متطرفة وأيضا بفعل تأثيرات تفشي فيروس كورونا في الإمارة الخليجية الصغيرة، لم تعد الدوحة وجهة سياحية مفضلة على خلاف ما كان عليه الوضع قبل قرار المقاطعة.

وأظهرت بيانات وزارة التخطيط والإحصاء القطرية مؤخرا، انخفاض أعداد السياح الوافدين إلى قطر خلال الأربعة أشهر الأولى من العام 2020، بنحو 30.6 بالمئة على أساس سنوي.

وانخفض عدد السياح الأجانب إلى 547 ألفا و175 سائحا بنهاية أبريل/نيسان، مقارنة بـ789 ألفا و27 سائحا في الفترة نفسها من العام 2019.

ومثلت النسبة الأكبر للسياحة الأجنبية الوافدة من أوروبا بنحو 41 بالمئة أو 226 ألف زائر، ثم من الدول الآسيوية الأخرى وأوقيانوسيا بنسبة 31 بالمئة (186.8 ألف سائح) ومن دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 10 بالمئة لنحو 53.788 ألف زائر

وكانت أعداد السياح الوافدين لقطر، ارتفعت بنسبة 17.4 بالمئة خلال عام 2019 إلى 2.136 مليون سائح.

وتسعى الدوحة إلى جذب 5.6 ملايين سائح سنويا بحلول 2023، إلا أن جائحة كورونا كان لها تأثير على قطاع السياحة العالمي والذي يستمر عدة سنوات حتى تتعافى مرة أخرى. وارتفعت إصابات قطر بفيروس كورونا لأكثر 60 ألف

وتشير البيانات لحركة السياحة في قطر إلى تأثر القطاع الحيوي بفيروس كورونا، إلا أن التراجع في عدد الوافدين الأجانب مرتبط أيضا بسجل الدوحة في دعم وتمويل الإرهاب وهو ما دأبت الحكومة القطرية على نفيه.

ديون قطر تتفاقم

وأظهرت بيانات البنك المركزي القطري ارتفاعا في ديون الدوحة الخارجية خلال السنوات الماضية، وهي واحدة من المؤشرات على حجم الضغوط المالية التي تفاقمت منذ قرار المقاطعة العربية والخليجية قبل ثلاث سنوات.

ومع تصاعد الالتزامات المالية لقطر، اضطرت الحكومة إلى اللجوء في السنوات الأخيرة إلى الاقتراض ما فاقم الأعباء المالية للدين الخارجي الذي ارتفع إلى مستويات قياسية عند 55 مليار دولار بنهاية العام 2019، مقارنة بـ43.4 مليار دولار في العام 2018 بنمو سنوي بنحو 25.34 بالمئة، أو ما يعادل نحو 11 مليار دولار.

وبحسب ما تشير إليه بيانات المركزي القطري، فإن ديون قطر الخارجية قفزت في السنوات العشر الأخيرة حتى نهاية 2019 بنحو 179 بالمئة، معظمها منذ قرار المقاطعة.

وتؤكد قراءات أن الارتفاع القياسي في نسبة الدين الخارجي للدوحة يأتي نتيجة أزمة السيولة في السوق القطرية في السنوات الأخيرة وأن هذا الوضع ناجم أساسا عن سياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها القيادة في مواجهة تبعات المقاطعة العربية والخليجية.

تراجع فائض الميزان التجاري

وتظهر بيانات رسمية أيضا تراجع فائض الميزان التجاري السلعي لقطر في أبريل/نيسان الماضي بنسبة 66.9 بالمئة على أساس سنوي، في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد.

وبحسب بيان وزارة التخطيط والإحصاء القطرية فإن الميزان التجاري (الفرق بين إجمالي الصادرات والواردات) خلال أبريل/نيسان الماضي، سجل فائضا بقيمة 1.18 مليار دولار انخفاضا من 3.57 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2019.

وانخفضت الصادرات القطرية خلال أبريل/نيسان بنحو 48.2 بالمئة على أساس سنوي مقابل ارتفاع قيمة الواردات القطرية بنسبة 17 بالمئة.

وتراجع الفائض التجاري لقطر 16 بالمئة في 2019 إلى 44.4 مليار دولار مقارنة مع 53 مليار دولار في العام 2018.

وتعتبر قطر أكبر منتج ومصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال وتواجه منافسة صعبة على الحصة السوقية حول العالم مع زيادة صادرات موردين جدد من أستراليا والولايات المتحدة.

إيران وتركيا ومنطق الغنيمة

وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن تسارع الدوحة إلى مصالحة مع محيطها الخليجي والإقليمي بالتخلي عن سياسات تؤكد دول المقاطعة الأربع أنها باتت تشكل خطرا على الأمن القومي العربي، سارعت قطر إلى الارتماء في حضن إيران وتركيا.

وليس خافيا أن أنقرة وطهران تشكلان منذ عقود خطرا متربصا بمنطقة الخليج خاصة والمنطقة العربية عموما ضمن طموحات التمدد المحكومة بالمطامع التوسعية وبالأجندات الإيديولوجية.

والعلاقات بين الدوحة من جهة وطهران وأنقرة من جهة ثانية قائمة سرا وعلانية، إلا أنها تعزز خلال سنوات المقاطعة، فقطر التي وجدت نفسها في عزلة بعد غلق المنافذ الجوية والبحرية والبرية وهي شرايين حيوية للاقتصاد القطري، هرولت إلى تركيا وإيران بحثا عن بدائل حتى لو كانت مكلفة سياسيا واقتصاديا.

لكن سياسة الهروب إلى الأمام التي انتهجتها القيادة القطرية، أوقعتها في فخاخ منطق الغنيمة التي تعاملت على أساسه كل من طهران وأنقرة.

وبمنطق الربح والخسارة بغض النظر عن سبب ومسببات الأزمة، وجدت الدوحة نفسها فريسة للأطماع الإيرانية والتركية، فإيران التي تئن تحت ضغوط اقتصادية ومالية شديدة بفعل العقوبات الأميركية، كانت في حاجة ملحة لمنفذ مالي ينفس أزمتها الاقتصادية.

أما تركيا التي يواجه اقتصادها حالة من الركود وتعرضت عملتها الوطنية (الليرة) لموجة هزات عنيفة خلال السنوات الأخيرة بفعل سياسات رئيسها رجب طيب اردوغان وتدخلاته العسكرية الخارجية في كل من سوريا وليبيا وخصومات مجانية مع الحلفاء والشركاء الغربيين، فكانت بحاجة إلى إنعاش اقتصادها وتمويل حروبها الخارجية.

وعلى هذا الأساس تعزز التحالف القطري الإيراني والقطري التركي، فقد استغل أردوغان ورطة قطر لتوقيع اتفاقيات تجارية وعسكرية خففت من وطأة الأزمة الاقتصادية في بلاده ومنحته فرصة إيجاد موطئ قدم في الخليج من خلال بناء وتوسيع قاعدة عسكرية في الدوحة وتصدير منتجات تركية للسوق القطري وهو ثمن يعتقد الرئيس التركي الذي يتعامل بمنطق البراغماتية أن على الدوحة دفعه.

وقد سارع أردوغان لإعلان دعمه لقطر وحاول تأجيج الخلاف بينها وبين دول المقاطعة، حتى لا يخسر مصدرا يمكن الاستفادة منه لإنعاش الاقتصاد التركي المتعثر وممولا مهما لتدخلاته العسكرية في سوريا وليبيا.

وبالفعل تعهدت قطر بضخ استثمارات بنحو 15 مليار دولار لدعم استقرار الليرة التركية التي هوت في أكثر من مرة إلى هوة عميقة.

كما تشير تقارير غربية إلى أن أنقرة طلبت من الدوحة التكفل بتمويل نقل مرتزقة من الفصائل السورية المتطرفة الموالية لتركيا، إلى الغرب الليبي لدعم حكومة الوفاق الوطني في مواجهة هجوم يشنه الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لتحرير العاصمة طرابلس من الإرهاب. وسمم الارتباط القطري الإيراني تحالفات قطر التقليدية خاصة مع الولايات المتحدة التي لديها أكبر قاعدة عسكرية في الدوحة، وسط أنباء عن وجود خطة أميركية لنقل تلك القاعدة بعد أن اتضح للحليف الأميركي الدور القطري في تخفيف العقوبات على إيران من جهة والارتباط الوثيق بجماعات على القائمة الأميركية السوداء للجماعات الإرهابية.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب علق في السادس من يونيو/حزيران 2017 على قرار المقاطعة العربية والخليجية لقطر قائلا في تغريدة على حسابه بتويتر إن دول الخليج قالت "إنها ستعتمد نهجا حازما ضد تمويل التطرف وكل الدلائل تشير إلى قطر"، مضيفا "قد يكون ذلك بداية نهاية رعب الإرهاب".

وذّكر الدوحة بأن لديها سجل طويل في دعم وتمويل الإرهاب، إلا أنه غيّر لهجته بعد ذلك إزاء قطر التي تضمّ أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

 وأبرمت الدوحة عقود تسليح ضخمة بمليارات الدولارات في صفقات تفوق حاجتها وقدراتها أصلا ضمن محاولة شراء تحالفات خارجية وتعزيز ارتباطاتها الخارجية على أمل إيجاد منافذ لتفكيك عزلتها في محيطها وفضائها الخليجي والعربي واستقدام ضغوط غربية على دول المقاطعة، لكن الأخيرة تمسكت بتنفيذ قطر قائمة من 13 مطلبا أهمها فك الارتباط بإيران وتركيا والجماعات الإسلامية المتطرفة والتراجع عن سياساتها الخارجية المهددة للأمن القومي العربي والخليجي.