مخاوف من نهوضه مرة أخرى

عودة داعش خطر حقيقي يتربص بالعراق

مشروع الخلافة لم يتبدد

السليمانية

تشي العمليات الإرهابية المتواترة التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” طلية الأشهر الأخيرة في العراق بوضوح، بأن خطر الجهاديين لم ينته بعد، حيث تثبت هجماتهم على قوات الأمن والجيش وحقول النفط أن الحديث عن انهيار التنظيم بشكل نهائي كان أمرا سابقا لأوانه وأن مخاوف العراقيين وبالأخص الأكراد من نهوضه مرة أخرى تبدو واقعية.

ومن اللافت أن داعش يحاول استغلال الخلافات بين القوى السياسية وأيضا الفراغ الذي قد يخلفه الانسحاب الأميركي من العراق لتنظيم صفوفه، فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يتعرض إلى ضغوط من قوى عراقية شيعية محسوبة على إيران من أجل إخراج القوات الأجنبية بتعلّة أنه لم تعد هناك حاجة إلى القوات الأجنبية على اعتبار وأن التنظيم انتهى.

ويرى محللون عسكريون وخبراء في شؤون الجماعات الجهادية وبعض المسؤولين في إقليم كردستان العراق أن تراجع قدرات تنظيم داعش عسكريا منذ إعلان القضاء عليه في العام 2017 لا يعني انهيار أيديولوجيته، إذ أنه تمدد بالأساس فكريا قبل أن يتمدد تنظيميا، وهو ما يجعل الأمور تتعقد وقد تشهد المنطقة اضطرابات متجددة قد تطول.

ومنذ الأيام الأولى للإعلان عن القضاء على التنظيم أشار خبراء غربيون إلى أن “جنود الخلافة” ممن اكتسبوا قدرات قتالية وفنية جيدة انسحبوا من العراق وسوريا قبل إطباق الفخ عليهم وسيشكلون في السنوات المقبلة خطرا أكبر.

ولم يخف لاهور الطالباني الرئيس المشارك للاتحاد الوطني الكردستاني والقائد السابق للمخابرات قلقا يساوره كغيره من المسؤولين العراقيين أو في إقليم كردستان من أن تصبح التخمينات حقيقة حينما قال في مقابلة مع رويترز إن هناك مؤشرات متنامية على أن داعش يحاول الظهور على الساحة مجددا بعد تزايد الهجمات في العراق وأن التنظيم أعاد صفوفه
فيما يبدو.

ووفقا لبيانات عسكرية وتصريحات مسؤولين أمنيين فقد قُتل ما لا يقل عن 19 من أفراد قوات الأمن العراقية والكردية العراقية في الأيام القليلة الماضية في مختلف أرجاء البلاد، مما دفع الرئيس العراقي برهم صالح للدعوة إلى توخي الحذر من خطر نهوض تنظيم داعش مرة أخرى.

وتأتي الهجمات بعد أعنف هجوم انتحاري يشهده العراق في ثلاث سنوات والذي أعلن التنظيم المتطرف مسؤوليته عنه، ووسط مخاوف من أن يخل تقليص عدد قوات تقودها الولايات المتحدة باستقرار البلاد. فبالرغم من إعلان العراق هزيمة التنظيم عسكريا في 2017 لكن داعش يشن منذ ذلك الحين هجمات في أرجاء مختلفة من شمال البلاد وعلى الحدود التي يسهل اختراقها مع سوريا.

وكان داعش، وهو في الأساس جماعة خرجت من رحم تنظيم القاعدة، قد سيطر على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا في صيف 2014 حينما أعلن إمارة له في الشرق الأوسط انطلاقا من مدينة الموصل وفرض حكما من الترويع تحت قيادة أبوبكر البغدادي شمل قطع الرؤوس في العلن وتفجيرات نفذها أنصار له في الخارج.

وما يزيد من القلق هو أن المخابرات العراقية والغربية لا تعرف الكثير عن زعيم داعش الجديد محمد سعيد عبدالرحمن المولى الأمر الذي يجعل كافة الأطراف تعود إلى المربع الأول في عملية التقصي والبحث وتعقب ممن يحملون الفكر المتطرف لقطع الطريق عليهم قبل انضمامهم للتنظيم. ويطرح تساؤلا يتمحور حول من يسهّل عودة داعش إلى العراق؟

وتفيد التقديرات الاستخباراتية بأن عدد مقاتلي داعش في كل من العراق وسوريا يمكن أن يصل إلى عشرة آلاف مقاتل، بينهم نحو أربعة آلاف ينتشرون في المناطق الواقعة غرب وشمال غرب العراق، وهو رقم كبير قياسا بالعمليات العسكرية التي استهدفته منذ ظهوره وحتى نهاية 2017.

وشهدت الأشهر القليلة الماضية أكثر من 25 هجوما دمويا ألقى مسؤولون عراقيون بمسؤوليتها على مقاتلي داعش. وقُتل أكثر من 30 في تفجير في يناير الماضي في سوق مزدحمة في بغداد. وقال الطالباني إن “تنظيم الدولة الإسلامية لم يُقض عليه بالكامل، فهناك بضعة آلاف من مقاتليه يعملون في العراق”.

ويشعر الطالباني بقلق خاص من قدرة التنظيم على التجنيد عبر وسائل منها الشبكات الاجتماعية. وقال إنه أُلقي القبض قبل ثلاثة أسابيع على 38 جُنّدوا للعمل مع تنظيم داعش وجميعهم من الأكراد الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و22 عاما. وأضاف “كانوا على وشك شن هجمات، تلقوا عتادا وقنابل ومتفجرات. وكان هذا جرس إنذار”.

ويشارك قادة عراقيون الطالباني مخاوفه، فقد كتب الرئيس العراقي على حسابه في تويتر الأسبوع الماضي يقول “لا نملك أن نشعر بالرضى عن النفس” في محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.

وعُزيت بعض الإخفاقات الأمنية إلى الافتقار للتنسيق بين الجيش العراقي والقوات التابعة لإقليم كردستان شبه المستقل. وحارب الجانبان التنظيم لكن العلاقات بينهما تدهورت منذ محاولة الأكراد الفاشلة نيل استقلال كامل عام 2017، وهو مسعى أوقفته بغداد عسكريا.

ويقول الطالباني إن مقاتلي داعش يمكن أن يستغلوا الأراضي المتنازع عليها بين الجانبين ويعملوا فيها، فالافتقار للتنسيق بين حكومة الإقليم الكردي في أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد أدى إلى عودة ظهور تنظيم وزيادة قوته ونشاطه وقدراته.

وخفضت الولايات المتحدة قواتها من نحو خمسة آلاف كانت متمركزة للمساعدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية إلى نصف هذا العدد خلال العام الماضي. ومع خفض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لعدد قواته في العراق، فمن المتوقع أن يملأ حلف شمال الأطلسي هذا الفراغ بالتدريب والتنسيق مع القوات العراقية، لكنه ليس مفوضا بالمشاركة في العمليات القتالية.

ويخشى الطالباني مثل الكثير من المسؤولين العراقيين من تداعيات سحب القوات الأميركية، فهناك سابقة على ذلك مهدت على الأرجح لظهور الجهاديين في البلاد، إذ أنه حين قررت الولايات المتحدة إبان عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما سحب قواتها من العراق عام 2011 تركت فجوة أمنية هائلة أمكن للمتشدّدين استغلالها.