شبح اللجنة العسكرية يطارد الدستورية بعد التصعيد في طرابلس

اللجنة الدستورية الليبية تتقدم في الملفات الهامشية وترحّل المستعصية

اللجنة الدستورية التي تدير لقاءاتها وحواراتها في القاهرة حققت بعض التقدم بأن حققت توافقا حول سبعين في المئة من المسائل. وإذا كان الرقم كبيرا، إلا أن المتابعين يقولون إن التوافق تم حول مسائل هامشية وأن القضايا الخلافية الحقيقية ما تزال مؤجلة، فضلا عن أن اللجنة ستكون تحت تأثير ما يحيط بها من تصعيد سياسي.

الخلافات لا تزال تطوق أشغال اللجنة الدستورية

وكالات

نجحت اللجنة الدستورية المكونة من وفدي مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة خلال اجتماعها بالقاهرة، في تحقيق تقدم في حوالي سبعين في المئة من المواد التي ناقشتها عندما أعلنت الجمعة رفع جلساتها على أن تستأنف جولة ثالثة لها بالقاهرة أيضا في الحادي عشر من يونيو المقبل لاستكمال النسبة الباقية من المواد الخلافية.

وتبدو النسبة التي أنجزت في الجولة الثانية مرضية في نظر اللجنة المشتركة والمستشارة السياسية للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز بعد الحديث عن إخفاقات متعددة في جولة أولى عقدت منتصف أبريل الماضي، وإشاعة أجواء من التشاؤم بعد تصاعد حدة الأحداث في طرابلس وعودة شبح الحرب يخيم عليها.

ويبدو الموعد القريب (الحادي عشر من يونيو) الذي أشارت إليه ستيفاني في كلمتها الختامية دليلا على العزيمة والرغبة من جانبها في حل ما تبقى من تعقيدات دستورية، حيث تعتبر نجاح أعمال اللجنة المشتركة نجاحا شخصيا لها عقب مطالبات محلية ودولية للأمم المتحدة بإنهاء مهمة السفيرة أميركية الأصل، وتعيين مبعوث رسمي من داخل قارة أفريقيا يقوم بمهام رئاسة بعثة الدعم السياسي الأممية في ليبيا.

هوة كبيرة

يقلل الغوص في التفاصيل من أهمية النسبة، ولا يؤكد الوفاء بالعودة إلى القاهرة في الموعد المحدد خلال الجولة الثالثة، فما حدث من وراء الكواليس لا يشير إلى إمكانية تجاوز التحديات المزمنة سريعا، فالهوة في ما تبقى من قضايا قليلة لا تزال كبيرة.

يأتي التقليل من أهمية النسبة المنجزة من أن القضايا التي أعلن عن تجاوزها بعد جولتين من مناقشات اللجنة الدستورية في القاهرة هامشية ولا تمسّ كثيرا عصب الملفات المختلف حولها، والتي حالت دون عقد انتخابات الرئاسة والبرلمان الليبيين في ديسمبر الماضي، وتم طرح موضوعات سياسية لا علاقة مباشرة لها بعمل اللجنة المشتركة المطلوب منها إنجاز مواد دستورية على وجه السرعة.

تمكنت لجنة النواب والأعلى للدولة من التوافق على الباب الثاني المعنيّ بالحقوق والحريات النظرية، والتي لا خلاف حولها تقريبا، فالكل لا يمانع في وضع ثوابت حاكمة في هذا الباب وتكاد تكون المواقف فيه حول مواده شبه متطابقة.

فضلا عن البابين الخاصين بالسلطة التشريعية والقضائية، باستثناء عدد قليل من المواد، ومع أنه جرى تجاوز صراحة ذكر العدد القليل المستثنى ولم يتم تسليط الضوء على تفاصيله، غير أنه يرتبط بالصلاحيات التشريعية المنوط بمجلس النواب القيام بها ومدى تكاملها أو طغيانها على دور السلطة التنفيذية، وكيفية قيام القضاء بفروعه المختلفة بمهامه إذا لم يتم تنظيف البلاد من بعض الأجسام التي تتدخل في شؤونه.

ولا تزال المواد التي لم يتم التوافق بشأنها محل تباعد كبير، وقيل إنه سيتم الفصل فيها لاحقا، وتتعلق بدور المؤسسة العسكرية وآليات الحفاظ على وحدتها وسط هذا الحشد الكبير من الميليشيات والمرتزقة، وشروط الترشح في الانتخابات الرئاسية وصلاحيات السلطة التنفيذية والمواد التي تتعلق بالحكم المحلي والسلطة التشريعية.

تفكيك الألغام

تمثل هذه الجوانب الجزء الخفي والمستعصي في عمل اللجنة الدستورية، والذي يحتاج إلى إجماع من القوى الرئيسية على تفكيك الألغام الكامنة في داخله، ما يجعل مهمة اللجنة المنوط بها القيام بهذه المهمة صعبة، وربما مستحيلة ما لم تمتلك القوى الدولية إرادة كافية للضغط على الجهات التي تضع العصّي في دواليب اللجنة الدستورية.

وخلصت اجتماعات القاهرة إلى تكليف لجنة مصغرة لإعداد صياغة توافقية لنصوص المواد، وقامت بحصر المواد محل الاتفاق وإعداد صيغة توافقية حولها ثم إحالتها إلى مجلسي النواب والأعلى للدولة للنظر فيها، وتم تناول جُلّ مواد الأبواب: الأول والثاني والثالث والرابع، وتركت بعض المواد القليلة للمزيد من المراجعة والدراسة والتعديل.

وقال أعضاء اللجنة الدستورية في ختام اجتماعات القاهرة إنهم توافقوا على 140 مادة دستورية (من أصل 197) لتكون ضمن المسار الدستوري، وتقرر استكمال بقية مواد لم تدرج تفصيليا في الجولة الثانية خلال محادثات قادمة.

وما يؤخذ على اجتماعات اللجنة الدستورية أنها تهرب من عدم قدرتها على إيجاد حلول في القضايا القانونية إلى منافسة قضايا سياسية واقتصادية، توحي في مجملها أن آلية اللجنة تعمل وعازمة على التوصل إلى نتائج تزيل الكثير من العقبات في ليبيا حتى ولو كانت تقع خارج نطاق اختصاصها، فالفراغ السياسي في البلاد بسبب العجز عن التقدم في حل الأزمة شجع ستيفاني ويليامز على توسيع مجال الحركة أمام اللجنة.

وبحثت الاجتماعات الليبية وثيقة ملزمة لمنع تعطيل الانتخابات وعدم استخدام السلاح وتشكيل لجنة تتولى ملف النفط وعوائده وتحييد البنك المركزي الليبي ومؤسسة النفط، وعملية تولي الجيش ملف تأمين الانتخابات، وناقشت العناصر الرئيسية للإطار الدستوري مثل النظام السياسي ومعايير الترشح والجدول الزمني للانتخابات.

وأعدت مسودة الدستور من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المنتخبة منتصف عام 2014، وفي يوليو 2017 صوتت الهيئة لصالح المسودة وأحالتها إلى مجلس النواب الذي قام بإحالة قانون الاستفتاء إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في نهاية عام 2018 من دون أن يجرى استفتاء على المسودة.

وأعلنت هيئة الدستور اعتراضها على فتح المسودة من قبل اللجنة التي جرى تشكيلها من مجلس النواب والدولة قبل الاستفتاء عليها مباشرة من جانب الشعب الليبي.

تضارب التوقيتات

حدث تضارب في توقيت عقد الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية، ففي الوقت الذي حددت فيه ستيفاني ويليامز الحادي عشر من يونيو المقبل لالتئامها، أشار بيان اللجنة المشتركة في ختام الجولة الثانية إلى عقدها في “موعد قريب” من دون تحديد زمني معين، ما يعني إمكانية ترحيل موعد ستيفاني أو ربما تقديمه.

ومع التطورات السلبية في طرابلس والتداعيات التي خلفتها محاولة فتحي باشاغا الفاشلة لدخول العاصمة وممارسة مهامه كرئيس للحكومة منها، قد يكون عقد الاجتماع الثالث للجنة الدستورية مشكوكا في أمره، حيث تصاعدت حدة المناوشات بين مؤيدي حكومة باشاغا التي أعلنت ممارسة مهامها من سرت، وبين مؤيدي حكومة عبدالحميد الدبيبة الذي يتمسك بعدم تسليم السلطة إلى حين إجراء الانتخابات.

ومهما خلصت نوايا أعضاء وفدي مجلس النواب والأعلى للدولة لإنجاز مهام اللجنة الدستورية سوف يتأثر كلاهما بما يدور على الساحتين العسكرية والسياسية من خلافات، خاصة أن القوى الدولية المنوط بها ممارسة ضغوط قوية على جميع الأطراف تتلكأ أو تتقاعس، ما يعني أن المراوحة الحالية باتت صيغة مريحة لها.

ويأتي الخوف من تكرار تجربة اللجنة العسكرية المشتركة المعروفة بـ 5 + 5، فبعد أن حققت تقدما ملموسا على مستوى توحيد المؤسسة العسكرية وقطعت شوطا في الكثير من الملفات الخلافية، انتكست إثر التباين بين القوى الليبية، ولم تعد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وقوى إقليمية معنية بالأزمة، يتحدث أيّ منهم باستفاضة عن ضرورة استئناف مهامها.

والخوف هو من إعادة إنتاج هذا السيناريو مع اللجنة الدستورية، والتي تعد المسافات بين طرفيها أشد خطورة من نظيرتها العسكرية الأكثر صرامة وحسما، ومع ذلك رضخ طرفاها لضغوط الجهة التي يمثلها ولم تعد للانعقاد، وأصبح ما حققته من تقدم على محك التجاذبات بين العديد من القوى، الأمر الذي يمكن أن يحدث مع اللجنة الدستورية.